وقال مقاتل : (حُبَّ الْخَيْرِ) يعني المال وهي الخيل التي عرضت عليه (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) يعني الصلاة ، نظيرها (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) (١) ، (حَتَّى تَوارَتْ) يعني الشمس ، كناية عن غير مذكور.
كقول لبيد :
حتّى إذا ألقت يدا في كافر (٢)
يعني الشمس (بِالْحِجابِ) وهو جبل دون قاف بمسيرة سنة ، تغرب الشمس من ورائها.
(رُدُّوها) كرّوها (عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) أي فأقبل يمسح سوقها وأعناقها بالسيف ، وينحرها تقربا بها إلى الله سبحانه وطلبا لرضاه ، حيث اشتغل بها عن طاعته ، وكان ذلك قربانا منه ومباحا له ، كما أبيح لنا ذبح بهيمة الأنعام.
وقال قوم : معناه حبسها في سبيل الله ، وكوى سوقها وأعناقها بكيّ الصدقة.
ويقال للكيّة على الساق : علاظ ، وللكيّة على العنق : دهاو.
وقال الزهري وابن كيسان : كان يمسح سوقها وأعناقها ، ويكشف الغبار عنها حبا لها.
وهي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عبّاس.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ) هذه قصة محنة نبي الله سليمان وسبب زوال ملكه مدة ، واختلفوا في سبب ذلك.
فروى محمّد بن إسحاق عن بعض العلماء قال : قال وهب بن منبه : سمع سليمان بمدينة في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون ، بها ملك عظيم الشأن لم يكن للناس إليه سبيل لمكانه في البحر ، وكان الله قد أتى سليمان في ملكه سلطانا لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر ، إنما يركب إليه [إذا ركب على] الريح ، فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجنّ والإنس ، فقتل ملكها واستقام فيها وأصاب فيما أصاب بنتا لذلك الملك يقال لها : جرادة ، لم ير مثلها حسنا وجمالا ، واصطفاها لنفسه ودعاها إلى الإسلام ، فأسلمت على جفاء منها وقلة ثقة ، وأحبها حبا لم يحبه شيئا من نسائه ، وكانت على منزلتها عنده ، لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها ، فشق ذلك على سليمان فقال لها : ويحك ما هذا الحزن الذي لا يذهب والدمع الذي لا يرقأ؟
قالت : إن أبي أذكره وأذكره ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزنني ذلك.
__________________
(١) سورة النور : ٣٧.
(٢) الصحاح للجوهري : ٢ / ٨٠٨ ، وعجز البيت : وأجن عورات الثغور ظلامها.