الذي خلّف في أهله ، فأتى جزيرة في البحر فبعث إليه الشياطين فقالوا : لا نقدر عليه ، ولكنه يرد علينا في الجزيرة في كل سبعة أيام يوما ، لا نقدر عليه حتّى يسكر.
قال : فنزح ماءها وجعل فيها خمرا. قال : فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر فقال : والله إنك لشراب طيب إلّا أنك تصبين (١) الحليم وتزيدين الجاهل جهلا.
ثم رجع حتّى عطش عطشا شديدا ثم أتاها فقال : إنك لشراب طيب إلّا أنك تصبين الحليم وتزيدين الجاهل جهلا.
قال : ثم شربها حتّى غلبته على عقله ، ثم أروه الخاتم فقال : سمع وطاعة (٢).
قال : فأتى به سليمان فأوثقه ثم بعث به إلى جبل ، فذكروا أنه جبل الدخان الذي يرون من نفسه ، والماء الذي يخرج من الجبل هو بوله.
وقال السدي : اسم ذلك الشيطان اسمذي وقيل خبفيق.
وقال مجاهد : اسمه آصف.
أخبرنا أبو صالح بن أبي الحسن البيهقي الفقيه قال : أخبرنا أبو حاتم التميمي قال : حدثنا أبو الأزهر العبدي قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) قال : شيطانا يقال له : آصف. قال له سليمان : كيف تفتنون الناس؟
قال : أرني خاتمك أخبرك. فلما أعطاه نبذه آصف في البحر ، فساح سليمان فذهب ملكه وقعد آصف على كرسيّه ومنعه الله سبحانه نساء سليمان فلم يقربهن ، وأنكر الناس أمر سليمان ، وكان سليمان يستطعم فيقول : أتعرفونني؟ أنا سليمان فيكذبونه حتّى أعطته امرأة يوما حوتا فبطّ بطنه ، فوجد خاتمه في بطنه فرجع إليه ملكه وفرّ آصف فدخل البحر. وقيل : إن الجسد هو آصف ابن برخيا الصدّيق ، وقد مضت القصة.
وقيل : هو الولد الميت الذي غدا في السحاب.
وقيل : هو الولد الناقص الخلق.
وقيل : معنى قوله : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) أن سليمان ضرب بعلّة أشرف منها على الموت ، حتّى صار جسدا في المثل بلا روح ، وقد وصف المريض المضني بهذه الصفة ، فيقال كالجسد الملقى ولم يبق منه إلّا جسده وتقدير الآية (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً).
__________________
(١) في بعض المصادر : تطيشين.
(٢) تفسير الطبري : ٢٢ / ١٨٧.