قرأ أهل العراق إلّا عاصما وأيوب : بوصل الألف ، واختاره أبو عبيد قال : من جهتين :
إحداهما : أنّ الاستفهام متقدم في قوله : (ما لَنا لا نَرى رِجالاً).
والأخرى : أنّ المشركين لم يكونوا يشكون في اتخاذهم المؤمنين في الدّنيا سخريا ، فكيف يستفهمون عمّا قد عملوه. ويكون على هذه القراءة بمعنى بل.
وقرأ الباقون : بفتح الألف وقطعها على الاستفهام وجعلوا (أم) جوابا لها مجازا : (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) في الدّنيا وليسوا كذلك ، فلم يدخلوا معنا النار.
(أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) فلا نراهم وهم في النار ، ولكن احتجبوا عن أبصارنا.
وقال الفراء : هو من الاستفهام الذي معناه التعجب والتوبيخ ، فهو يجوز باستفهام ويطرحه.
وقال ابن كيسان : يعني أم كانوا خيرا منّا ولا نعلم نحن بذلك ، فكانت أبصارنا تزيغ منهم في الدّنيا فلا نعدهم شيئا.
أخبرنا أبو بكر الحمشادي قال : أخبرنا أبو بكر القطيعي قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله ابن مسلم قال : حدثنا عصمة بن سليمان الجرار عن يزيد عن ليث عن مجاهد (وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ).
قال : صهيب وسلمان وعمّار لا نراهم في النار (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) في الدّنيا (أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) في النار (إِنَّ ذلِكَ) الذي ذكرت (لَحَقٌ) ثم بيّن فقال : (تَخاصُمُ) أي هو تخاصم (أَهْلِ النَّارِ) ومجاز الآية : أن تخاصم أهل النار في النار لحق (قُلْ) يا محمّد لمشركي مكة (إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ) مخّوف (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ * رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ * قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) يعني القرآن.
عن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة ، وروى معمر عنه يوم القيامة ، نظيرها (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) (١).
(أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ * ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) في شأن آدم وهو قولهم حين قال الله سبحانه لهم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) (٢) الآية هذا قول أكثر المفسرين.
وروى ابن عبّاس عن النبي عليهالسلام قال : «قال ربّي : أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى يعني الملائكة؟
__________________
(١) سورة النبأ : ١ ـ ٢.
(٢) سورة البقرة : ٣٠.