رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى |
|
فكيف بمن يرمي وليس برام (١) |
فلو أنّها نبل إذا لاتقيتها |
|
ولكنّني أرمي بغير سهام |
على الراحتين مرة وعلى العصا |
|
أنوء ثلاثا بعدهن من قيامي |
وروي إنّ الشعبي دخل على عبد الملك بن مروان وقد ضعف. فسأله عن حاله ، فأنشده هذه الأبيات :
فاستأثر الدهر الغداة بهم |
|
والدهر يرميني ولا أرمي |
يا دهر قد أكثرت فجعتنا |
|
بسراتنا ووقرت في العظم |
وتركتنا لحم على وضم |
|
لو كنت تستبقي من اللحم (٢) |
وسلبتنا ما لست تعقبنا |
|
يا دهر ما أنصفت في الحكم |
وأنشدنا أبو القاسم السدوسي ، أنشدنا عبد السميع بن محمد الهاشمي ، أخبرنا أبو الحسن العبسي لابن لنكك في هذا المعنى :
قل لدهر عن المكارم عطل |
|
يا قبيح الفعال جهم المحيا |
كم كريم حططته من بقاع |
|
ولئيم ألحقته بالثريا |
قال أبو عبيده : وناظرت بعض الملاحدة. فقال : إلّا تراه يقول : فإنّ الله هو الدهر. فقلت له : وهل كان أحد يسب الله في أياد الدهر ، بل كانوا يقولون كما قال الأعشى :
استأثر الله بالوفاء وبالعدل |
|
وولى الملامة الرجلا (٣) |
قال : فتأويل قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله هو الدهر» [٢٢٧] ، إن الله جل ذكره هو الّذي يأتي بالدهر والشدائد والمصائب فإذا سببت الدهر وقع السب على الله تعالى لأنّه فاعل هذه الأشياء وقاضيها ومدبرها.
وقال الحسين بن الفضل : مجازه : فإنّ الله هو مدهّر الدهور.
وروي عن علي رضياللهعنه في خطبة له : مدهّر الدهور ، ومن عنده الميسور ، ومن لدنه المعسور.
ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن النيسابوري ، حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن الكارزي ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن القاسم الجمحي ، حدثنا عسر بن أحمد ، قال : بلغني إنّ سالم بن عبد الله بن عمر كان كثيرا ما يذكر الدهر ، فزجره أبو عبد الله بن عمر ، وقال له : يا بني إياك وذكر الدهر ، وأنشد :
فما الدهر بالجاني لشيء لحينه |
|
ولا جالب البلوى فلا تشتم الدهرا |
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٦ / ١٧٢ ، غريب الحديث : ٢ / ١٤٦.
(٢) غريب الحديث : ٢ / ١٤٦. (٣) لسان العرب : ٤ / ٨.