من اللّاء لم يحججن يبغين حسبة |
|
ولكن ليقتلن البريء المغفّلا (١) |
وقرأ أهل الكوفة والشام بالمدّ والهمز وإثبات الياء واختاره أبو عبيد للإشباع واختلف فيه ، عن ابن كثير وكلّها لغات معروفة (تُظاهِرُونَ) بفتح التاء وتشديد الظاء شامي. بفتح التاء وتخفيف الظاء كوفي غير عاصم ، واختاره أبو عبيد بضمّ التاء وتخفيف الظاء وكسر الهاء عاصم والحسن.
قال أبو عمرو : هذا منكر لأنّ المظاهرة من التعاون والآية نزلت في أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم أخي عبادة ، وفي امرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك يقول الله تعالى : ما جعل نساءكم اللاتي تقولون : هنّ علينا كظهور أمّهاتنا في الحرام كما تقولون ، ولكنّها منكم معصية وفيها كفّارة وأزواجكم لكم حلال ، وسنذكر القصّة والحكم في سورة المجادلة إن شاء الله.
قوله : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ) يعني من تبنّيتموه (أَبْناءَكُمْ) نزلت في زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي من بني عبد ودّ ، كان عبدا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فأعتقه وتبنّاه قبل الوحي ، وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطّلب في الإسلام ، فجعل الفقير أخا للغني ليعود عليه ، فلمّا تزوّج النبي صلّى الله عليه زينب بنت جحش الأسدي وكانت تحت زيد بن حارثة ، فقالت اليهود والمنافقون : تزوج محمّد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عنها ، فأنزل الله عزوجل هذه الآيات وقال : (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) ولا حقيقة له ، يعني قولهم : زيد ابن محمّد (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) الذين ولدوهم (هُوَ أَقْسَطُ) أعدل (عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) أي فهم إخوانكم (فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ) إن كانوا محرريكم وليسوا ببنيكم.
أنبأني عقيل بن محمد الجرجاني ، عن المعافى بن زكريا ، عن محمد بن جرير قال : حدّثني يعقوب بن إبراهيم ، عن ابن علية عن عيينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، قال : قال أبو بكر : قال الله تعالى : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ) فأنا ممّن لا يعرف أبوه ، وأنا من إخوانكم في الدين. قال : قال أبي إنّي لأظنّه لو علم أنّ أباه كان حمارا لانتمى إليه (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) قبل النهي ، فنسبتموه إلى غير أبيه ، وقال قتادة : يعني أن تدعوه لغير أبيه وهو يرى أنّه كذلك (وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) فنسبتموه إلى غير أبيه بعد النهي ، وأنتم تعلمون أنّه ليس بابنه. ومحلّ ما في قوله : (ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) خفض ردّا على (ما) التي في قوله : (فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) ومجازه : ولكن في (ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من ادّعى إلى غير أبيه أو إلى غير أهل نعمته فعليه (لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)» [٤] (٢).
__________________
(١) لسان العرب : ١٥ / ٤٤٥ ، تفسير القرطبي : ٥ / ١٠٨.
(٢) صحيح مسلم : ٤ / ١١٥ بتفاوت ، سنن ابن ماجة : ٢ / ٩٠٥ ، سنن أبي داود : ٢ / ٥٠٢.