هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) اختلف العلماء في حكم هذه الآية ، فقال قوم : إنّ الله سبحانه خلق الخلق مؤمنين وكافرين.
قال ابن عبّاس : بدأ الله خلق بني (١) آدم مؤمنا وكافرا ثمّ يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا.
واحتجّوا بحديث الصادق المصدّق وقوله : «السعيد من سعد في بطن أمّه والشقي من شقي في بطن أمّه» [٣١٠].
وكما أخبرنا عبد الله بن كامل الأصبهاني قال : أخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن يحيى العبدي بنو شيخ قال : حدّثنا أحمد بن نجدة بن العريان قال : حدّثنا المحاملي قال : حدّثنا ابن المبارك عن أبي لهيعة قال : حدّثني بكر بن سوادة عن أبي تميم الحسائي عن أبي ذر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا مكث المني في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس ، فعرج به إلى الرّب تبارك وتعالى ، فقال : يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي الله سبحانه ما هو قاض. أشقي أم سعيد؟ فيكتب ما هو لاق» وقرأ أبو ذر من فاتحة التغابن خمس آيات» [٣١١] (٢).
وأخبرنا عبد الخالق قال : أخبرنا ابن حبيب قال : حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل السيوطي قال : حدّثنا داود بن المفضل قال : حدّثنا نصر بن طريف قال : أخبرنا قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ناجيه بن كعب عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «خلق الله سبحانه فرعون في بطن أمّه كافرا ، وخلق يحيى بن زكريّا في بطن أمّه مؤمنا» [٣١٢] (٣).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا [٣١٣] (٤).
وقال الله سبحانه (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً).
إنّ الله سبحانه خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا. قالوا وتمام الكلام عند قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) ثم وصفهم (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) وهو مثل قوله : (اللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي [عَلى بَطْنِهِ)] (٥) الآية ، قالوا : فالله خلقهم والمشي فعلهم ، وهذا اختيار الحسن ابن الفضل.
قالوا : أو خلقهم مؤمنين وكافرين لما وصفه بفعلهم في قوله : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) الكفر فعل الكافر ، والإيمان فعل المؤمن.
واحتجّوا بقوله سبحانه : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) وبقوله : «كل مولود يولد على الفطرة» [٣١٤] (٦) ، وقوله حكاية عن ربّه : «إنّي خلقت عبادي كلّهم حنفاء» [٣١٥] (٧) ونحوها من
__________________
(١) في المخطوط : ابن. (٢) الدر المنثور : ٦ / ٢٢٧.
(٣) كنز العمال : ١١ / ٥٢٢ ح ٣٢٤٣٦.
(٤) سنن الترمذي : ٤ / ٣٧٤. (٦) مسند أحمد : ٢ / ٢٣٣.
(٥) سورة النور : ٤٥. (٧) صحيح مسلم : ٨ / ١٥٩ وفيه : «حنفاء كلّهم».