قالت : فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه أبياتنا موضعه الّذي توفي فيه ، فلمّا توفي غسّل وكفّن في أثوابه ، فدخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت لعثمان بن مظعون : رحمة الله عليك أبا السائب ، لقد أكرمك الله ، فقال رسول الله : «وما يدريك إنّ الله تعالى (١) أكرمه».
قالت : فقلت : بأبي أنت وأمي لا أدري. قال : «أما هو فقد جاءه اليقين وما رأينا إلّا خيرا. فو الله إنّي لأرجو له الجنّة ، فو الله ما أدري ـ وأنا رسول الله ـ ما ذا يفعل بي» [٢] (٢). قالت : فو الله لا أزكّي بعده أحدا.
قالوا : وإنّما قال هذا حين لم يخبر بغفران ذنبه ، وإنّما غفر الله له ذنبه في غزوة الحديبية قبل موته بسنتين وشيء ، وقال ابن عبّاس : لمّا اشتدّ البلاء بأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى رسول الله فيما يرى النائم وهو بمكّة أرضا ذات سباخ ونخل رفعت له ، يهاجر إليها.
فقال له أصحابه وهم بمكّه : إلى متى نكون في هذا البلاء الّذي نحن فيه؟ ومتى نهاجر إلى الأرض التي أريت. فسكت.
فأنزل الله تعالى : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) أترك في مكاني أو أخرج إلى الأرض التي رفعت لي ، وقال بعضهم : معناها : ولا أدري (ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) ، إلى ماذا يصير أمري وأمركم في الدّنيا؟
أنبأني عقيل بن محمّد ، أخبرنا المعافى بن زكريا ، أخبرنا محمّد بن جرير ، أخبرنا ابن حميد ، حدّثنا يحيى بن واضح ، حدّثنا أبو بكر الهذل ، عن الحسن. في قوله تعالى : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) ، فقال : أمّا في الآخرة فمعاذ الله قد علم إنّه في الجنّة حين أخذ ميثاقه في الرسل ، ولكن قال : (ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) في الدّنيا ، أخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلي ولا أدري ما يفعل بكم ، أمّتي المكذّبة أم المصدّقة ، أم أمّتي المرميّة بالحجارة من السّماء قذفا أم مخسوف بها خسفا.
ثمّ أنزل الله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٣). يقول : سيظهر دينكم على الأديان. ثمّ قال في أمّته : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٤) فأخبره الله تعالى ما يصنع به وبأمّته. وهذا قول السدي واليماني ، وقال الضحّاك : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) أي ما تؤمرون وما تنهون عنه.
__________________
(١) غير موجودة في المصدر.
(٢) مسند أحمد : ٦ / ٤٣٦ ؛ صحيح البخاري : ٢ / ٧١ ، اختلاف في اللفظ.
(٣) سورة الفتح : ٢٨.
(٤) سورة الأنفال : ٣٣.