لم أر كالجنة نام طالبها ، ولا كالنار نام هاربها. فتزودوا في الدنيا ما تحوزون به أنفسكم في الاخرة ، واعلموا خيرا تحزوا به خيرا يوم يفوز بالخير من يقدمه).
وكتب رضي الله عنه إلى عثمان بن حنيف الانصاري الأوسي حين استعمله على البصرة :
(أما بعد ، فقد بلغني أن بعض قطان البصرة دعاك إلى مأدبة ، فأسرعت. وكرت عليكم الجفان ، فكرعت ، فأكلت أكل يتيم نهم ، أو ضبع قرم (١). وما خلتك تأكل طعام قوم عائلهم مجفو ، وغنيهم مدعو. واعملوا أن إمامكم قد اكتفى بطمرته (٢) ، يسد فورة جوعه بقرصته ، ولا يطعم الفلدة إلا في سنة أضحيته. ولن تقدروا على ذلك ، فأعتينوني بورع واجتهاد. فمتاع الدنيا صائر إلى نفاد. والله ما أدخرت من دنياكم تبرا ، ولا أخذت من أقطارها شبرا. وإن قوتي فيها لبعض قوت أتان دبرة ، ولهي عندي أهون من عصفة مقرة (٣) (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين ، لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ، والعاقبة للمتقين) (٤). ولو شئت لا هتديت إلى هذا العسل المصفى ولباب البر المربى حين ينضجه وقوده. هيهات أن يغرني معقوده. ولعل يتيما في المدينة يتضور من سغبة ، أبيت مبطانا ، وحولي بطون غرثى (٥)؟ إذا يخصمني في القيمة دهم (٦) من ذكر وأنثى ، وكان
__________________
(١) ضبغ قرم : مشتاق الى اللحم.
(٢) الطمر : الثوب البالي.
(٣) مقرة : كاسرة. مقر عنقه : ضربها بالعصا حتى تكسر العظم.
(٤) سورة القصص : ٢٨ / الآية : ٨٣
(٥) غرثى : جائعة
(٦) الرهم : العدد الكثير.