في استطاعة المؤرخين ان يبحثوا عن اصول الحوادث أو يقولوا كل شئ ، فان شيئا مخوفا كان يكم الافواه ، ويلجم الاقلام ، ولو ان المؤرخين عنوا بانتهاج الحقائق حق العناية لكان التاريخ صورة صحيحة صادقة ليس فيها التواء ولا اسفاف ولكن للسلطة كلمة خاصة لابد ان توحي بها الى الاقلام ، فلا تستطيع هذه ان تحيد عنها أو تخرج من محبسها الضيق ، والمؤرخين انما يكتبون ما تلوح به لهم السياسة وما تفرضه عليهم فرضا ليكونوا بمنجاة من خبثها ولؤمها أو لعلهم كما يظن بعضهم «ان المؤرخين لم يوفقوا الى اقامة التاريخ على سنن منطقية ، وقواعد نقدية تحتفل ببيان الدوافع والعوامل التي تهئ ظروف التاريخ المختلفة وتحدد له الاتجاهات» (١) ونحن نرى انه كان للسياسة اثر كبير في توجيه التاريخ ، وكان للعقيدة ايضا اثر في تسييره ، اقول هذا وانا ارى وجوها من الادلة تفيض في نفسي ولا معدى عنها عند تحليل الحوادث التاريخية.
ولا شك ان هذا الارهاق السياسي الذي وقعت الاقلام تحت وطأته ، وتلك الحدود الضيقة التي حبست فيها الاقلام والافكار كانت باعثا قويا الى توجيه افكار رجال صالحين من اهل العلم والامانة عملوا تحت نكبات الصعاب فدونوا كثيرا من الحقائق بامانة واخلاص كما هي بعيدين عن اغراض السياسة واهدافها.
ولقد كلف هؤلاء الاعلام بالحق لذات الحق وهو الذي حملهم على
__________________
(١) هذا رأى الاستاذ عبد الله العلائي وقد استقاه من اللورد اكتن.