وقد كانت حياة المسلمين على هذا الشكل والاسلوب فهل يسوغ للنبي الاكرم أن يترك مصير الخلافة لامة هذه حالها ، التى لا تنتج سوى التنازع والاشتباك مع أن في تنصيب القائد وتعيينه قطع لدابر الفرقة خصوصاً بعد ما كان النبي واقفاً على ما بين الأوس والخزرج من المنازعات وما بين المهاجرين والانصار من المنافسات ، وقد شهد خلافهم بأم عينيه في غزوة بني المصطلق (١) ، كما شاهد نزاع الحيين ( الأوس والخزرج ) في قصة الإفك (٢) إلى غير ذلك من المشاجرات المعاصرة لحياة النبي وبعده مما سجلها التاريخ ولا أظن أن قائدا يقيم لدعوته وزناً ، ويضحي في سبيلها بالنفس والنفيس يقف على تلك المشاكل ويرحل إلى ربه من دون أن يفكر في قيادة أمته بعد رحيله.
* * *
فضائل الإمام ومناقبه في كتب الحديث :
هذا ما دفع النبي الأكرم إلى تنصيب القائد المحنك لمسند الخلافة كما دفعه إلى التعريف بفضائله ومناقبه في مواطن شتى ليقطع بذلك عذر المتعللين ويتم الحجة على الجميع ولله الحجة البالغة
ومع هذه الجهود الجبارة التي بذلها النبي الاكرم في سبيل التعريف بخليفته والاشادة بفضائله ، عمدت السلطات الجائرة من أموية وعباسية في مختلف القرون إلى إخفاء فضائله وانساء مناقبه ، ولم يكتفوا بذلك بل عمدوا إلى جعل مثيلها للآخرين ، ونسبة محاسنه إليهم بكل صلف وقحة ، كل ذلك بالترغيب والترهيب وبذل الأموال الطائلة للمرتزقة من وعاظ السلاطين وتجار الحديث.
ومن قرأ تاريخ الدولتين وما بذل اصحاب السلطة فيهما من الأموال في تشويه سمعة الوصي والحط من مكانته وتبجيل خصمائه عرف أن ما ذكرناه بعض الحقيقة لا كلها وأذعن أن انتشار فضائله ومناقبه على هذا الحد ، بين الكتب والناس ، معجزة من معاجز الله ، حيث أراد أن يبطل كيد الاعداء ويخيب آمالهم حتى تنتشر فضائله في
__________________
(١) السيرة النبوية لابن هشام : ج ٢ ص ٩١.
(٢) صحيح البخاري : ج ٥ ص ١٠١.