أختار محاربته وهو ابن بجدتها (١) فقد انصفه.
قال رضي الله عنه : ولما تقابل العسكران : عسكر أمير المؤمنين علي عليهالسلام وعسكر أصحاب الجمل ، جعل أهل البصرة يرمون أصحاب علي بالنبل حتى عقروا منهم جماعة ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين انه قد عقرنا نبلهم فما انتظارك بالقوم ، فقال علي : اللهم اني اشهدك اني قد اعذرت وانذرت فكن لي عليهم من الشاهدين ، ثم دعا على بالدرع ، فأفرغها عليه وتقلد بسيفه واعتجر بعمامته واستوى على بغلة النبي صلىاللهعليهوآله ، ثم دعا بالمصحف فأخذه بيده وقال : يا أيها الناس من ياخذ هذا المصحف فيدعوا هؤلاء القوم إلى ما فيه؟ قال فوثب غلام من مجاشع يقال له مسلم ، عليه قباء أبيض ، فقال له : انا آخذه يا أمير المؤمنين ، فقال له علي : يافتى ان يدك اليمنى تقطع فتأخذه باليسرى فتقطع ، ثم تضرب عليه بالسيف حتى تقتل ، فقال الفتى : لا صبر لي على ذلك (٢) يا أمير المؤمنين ، قال فنادى علي ثانية ، والمصحف في يده ، فقام إليه ذلك الفتى وقال : أنا آخذه يا أمير المؤمنين ، قال فاعاد عليه على مقالته الاولى ، فقال الفتي : لا عليك يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات الله ، ثم اخذ الفتى المصحف وانطلق به إليهم ، فقال : يا هؤلاء ، هذا كتاب الله بيننا وبينكم ، قال فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليمنى فقطعها ، فأخذ المصحف بشماله فقطعت شماله ، فاحتضن المصحف بصدره فضرب عليه حتى قتل ـ رحمة الله عليه ـ قال فنظرت إليه امه فرثته بأبيات من الشعر ، قال ثم رفع علي رأيته إلى ابنه محمد بن الحنفية وقال : تقدم يا بني ، فتقدم محمد ثم وقف بالراية لا يبرح بها ،
__________________
(١) هو ابن بجدتها : يقال للعالم المتقن ، واصله الدليل الهادي في الصحراء ، ومن لا يبرح عن قوله ـ المعجم الوسيط.
(٢) في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ـ لأصبر على ذلك.