فالويل ثم الويل ، يا جابر بن عبد الله ـ سبعين مرة ـ من كثرت نعماء الله عنده ، كثرت حوائج المخلوقين إليه ، فان قام بما امر الله عرضها للدوام ، فان لم يعمل فيها بما أمر الله عرضها للزوال والفناء (١) ثم انشأ أمير المؤمنين يقول :
ما أحسن الدنيا واقبالها |
|
إذا أطاع الله من نالها |
من لم يواس الناس من فضله |
|
عرض للادبار اقبالها |
فاحذر زوال الفضل يا جابراً |
|
واعط من الدنيا لمن سالها |
فان ذا العرش جزيل العطا |
|
يضعف بالجنة أمثالها |
قال جابر : ثم هزني إليه هزة ، خيل لي ان عضدي خرجت من كاهلي.
قال : يا جابر بن عبد الله ، حوائج الناس اليكم نعم من الله عليكم فلا تملوا النعم فتحل بكم النقم ، واعلموا ان خير المال ما اكتسب به حمداً واعقب اجراً ثم انشأ يقول :
لا تخضعن لمخلوق على طمع |
|
فان ذلك وهن منك في الدين |
وسل إلهك مما في خزائنه |
|
فانما هي بين الكاف والنون |
اما ترى كل من ترجو وتأمله |
|
من البرية مسكين ابن مسكين |
ما احسن الجود في الدنيا وفي الدين |
|
واقبح البخل ممن صيغ من طين |
ثم قال جابر بن عبد الله : فهممت أن أقوم ، فقال : وانا معك يا جابر ، قال فلبس نعليه والقى رداءه على منكبيه وطائفه فوق قذاله (٢) فلما ان بلغنا جبانة الكوفة ، سلم على أهل القبور فسمعت ضجة وهدة ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذه الضجة وما هذه الهدة؟ فقال : هؤلاء اخواننا كانوا بالأمس معنا واليوم فارقونا ، اخوان لا يزاورون ، واوداء لا يعادون ، ثم خلع
__________________
(١) نهج البلاغة لعبده ٣ / ٢٤٢ ك ٣٧٢.
(٢) الطائف : طرف الثوب المجتمع ، والقذال : جماع مؤخر الرأس ، ومعنى الجملة : ان أمير المؤمنين عليهالسلام جمع ووضع طرف ثوبه على مؤخرة رأسه.