مزايا هذه الطبعة
منذ تصدى الشريف الرضي (١) لجمع ما تفرق من كلام أمير المؤمنين علي عليهالسلام.ووسمه «بنهج البلاغة». أقبل العلماء والأدباء على ذلك الكتاب النفيس بين ناسخ له يحفظ نصه في لوح صدره ، وشارح له ينسخ الناس عنه تفسيراته وتعليقاته ، ولا يحصي إلا الله عدد حفاظ «النهج» ونساخه ، أما شراحه في القديم والحديث فقد أربوا على الخمسين (٢).
وكان طبيعيا ـ بعد أن استفاضت شهرة الكتاب ، وطبقت الآفاق ، وتواتر متنه على ألسنة الأدباء والفضلاء ـ أن يقل الاختلاف في نصه ، وأن ينتقل من جبل إلى جيل برواية تكاد تكون واحدة. وإذا أضفنا إلى شهرته الأدبية ما أحيط به من معاني التعظيم ـ بل التقديس ـ ما وقع فيه من التحريف والتصحيف ، سواء أكان ذلك في نصه المتداول على حدة ، أم في متنه المصحوب ببعض الشروح مسهبة وموجزة.
ولعل شهرة «النهج» ـ على الصورة التي وصفنا ـ هي التي حملت المتأخرين من الشراح كالإمام محمد عبده ومحمد نائل المرصفي ، على الاكتفاء بنسخة واحدة خطية عولوا عليها
_____________________
(١) الشريف الرضي هو أبو الحسن محمد بن الحسين الموسوي ، ويتصل نسبه يجده الأعلى الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ولد سنة تسع وخمسين وثلاث مئة ، وأقبل على العلم والفقه والأدب حتى يأت أبدع أبناء الزمان ، وأنجب سادات العراق. وفي سنة ٣٨٨ تولى نقابة الطالبيين بعد أبيه في حياته ، وعهد إليه بالنظر في المظالم والحج بالناس.
ابتدأ ينظم الشعر وله من العمر عشر سنين أو تريد قليلا ، وحكم بعض النقاد بأنه أشعر الطالبيين ، وكان فوق هذا كاتبا بليغا مترسلا. وقد توفي الرضي سنة أربع وأربع مئة ، رحمهالله وأجزل مثوبته.
(٢) هذا ما يقوله السيد هبة الله الشهرستاني في كتابه (ما هو نهج البلاغة؟ ص ٨ ـ ١٠) ومن هؤلاء الشراح القدامى أبو الحسين البيهقي ، والإمام فخر الذين الرازي ، والقطب الراوندي ، وكمال الدين محمد ميثم البحراني ، وعز الدين بن أبي الحديد المدائني ، وهذا الأخير هو أشهر هم جميعا ، ويعد شرحه أفضل الشروح وأطولها. وقدشرع في تأليفه في غرة شهر رجب من سنة ٦٤٤ وأئمة في آخر سلخ من سنة ٦٤٩ ، وكان فقيها أصوليا ، كما كان أديبا ناقدا ، وقد كان مولده بالمدائن في غرة ذي الحجة سنة ٥٨٦ ، أما ووفاته فذكر بعضهم أنها سنة ٦٥٥ ه.