كاملا مستقلا على حدة ، ليتلوها القارئ ـ باحثا فيها أم متبركا بها ـ وهو آمن مطمئن إلى صحتها في ذاتها وليجد فيما ألحق بها من الفهارس العلمية ما يلبي طلبه ، ويشفي غلته ، ويغنيه عن الشروح الطوال.
والأمانة العلمية تفرض علينا أن نعترف بأن ضبطنا لنص «النهج» لا يرتد إلى امتلاكنا النسخ المخطوطة أو المصورة ، ومقابلتنا بعضها ببعض ، ومعارضتها بأصل أو أصول اعتمدناها ، بقدر ما يرتد إلى إثبات ما نطقت الشروح بحسنه وصوابه. ويظلل من حق الأستاذ محمد إبراهيم ـ وإن حقق الشرح لا النهج ـ أن يفخر على الجميع بأنه استجمع من المخطوطات في هذا الصدد ما لم يستجمعه باحث سواه.
ألا وإني بهذا لا أغمط نفسي بنفسي ، فمن يقرأ طبعتي هذه بإمعان وتدبر يدرك لا محالة أني رجعت إلى أصول مخطوطة كثيرة تمكنت ـ بالاستناد إليها ـ أن أثبت أفضل القراءات وأفص الوجوه ، وإن كنت قد جردت نص «النهج» منكل حاشية أو تعقيب أو تفسير أو رمز أو اصطلاح ، اكتفاء بالفهارس العشرين التي أبرزت للناس قيمة الكتاب.
وأنما حملني على إيثار هذا الأسلوب في تحقيق «نهج البلاغة» ما لمسته لدى كثير من القراء من ضيق صدورهم برموز التحقيق أو هوام التفسير تستغرق في أسفل كل صفحة أكثر مما يستغرقه أعلاها من الأصول أو المتون. ومن هنا رأيت أن أقسم عملي قسمين ، ألبي بهما رغبتين : أما القسم الأول فتحقيق نص «النهج» أدق تحقيق وأوفاه ، ألبي به رغبة الذي يريد أن يقرأ كلام الإمام غير شاغل نفسه بتعليقات الشراح. وعلى هذا ، جردت النص من كل زيادة طرأت عليه ، وأرحت القارئ حتى من رموز النسخ التي استصوبت ما ذهبت إليه.وأما القسم الثاني ففهرسة مفصلة كل التفصيل ، ألبي بها رغبات الباحثين فيما اشتمل عليه «ونهج البلاغة» من كنوز فكرية وأدبية ثمينة.
ولسوف يلاحظ الأديب الباحث أن من النادر إلحاق فهارس على هذه الصورة المفصلة بأي كتاب مهما يعظم قدره وتجل مكانته ، حتى لكأني أردت أن أوفر على كل باحث كل عناء : أتعبت نفسي ليستريح ، راجيا من الله وحده حسن المثوبة وكرم الجزاء. وسوف يجد القارئ طلبته من هذه الفهارس بأقصى سرعة ممكنة ، إذ آثرنا طبعها على ورق يختلف لونه عن لون الأصل تسهيلا وتيسيرا.