وذلك على سبيل التمثيل والتخييل ، مبالغة فى وجوب الجزع والبكاء عليه ، وكذلك ما يروى عن ابن عباس رضى الله عنهما من بكاء مصلّى المؤمن وآثاره فى الأرض ومصاعد عمله ومهابط رزقه فى السماء تمثيل ، ونفى ذلك عنهم فى قوله تعالى (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) فيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده فيقال فيه بكت عليه السماء والأرض ، وعن الحسن رحمهالله فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون ، بل كانوا بهلاكهم مسرورين ، يعنى فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض ، انتهى.
وهذا ملخص من [أوائل] أمالى الشريف المرتضى ، وفيها زيادة ، ونحن نلخص ما فيها أيضا ، قال (١) : فى الآية وجوه أربعة من التأويل ؛ أولها : أن المراد أهل السماء والأرض ، فحذف كقوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ؛) ثانيها : أنه تعالى أراد المبالغة فى وصف القوم بصغر القدر وسقوط المنزلة ، لأن العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالك قالت : كسفت الشمس لفقده ، وأظلم القمر ، وبكاه الليل والنهار والسماء والأرض ، يريدون بذلك المبالغة فى عظم الأمر وشمول ضرره ، قال جرير : الشمس طالعة ـ البيت ، وقال يزيد بن مفرّغ [من الكامل]
الرّيح تبكى شجوها |
|
والبرق يلمع فى الغمامه |
وهذا صنيعهم فى وصف كل أمر جلّ خطبه وعظم موقعه ، فيصفون النهار بالظلام ، وأن الكواكب طلعت نهارا لفقد نور الشمس وضوئها ، قال النابغة [من البسيط]
تبدو كواكبه والشّمس طالعة |
|
لا النور نور ولا الإظلام إظلام |
ثالثها : أن يكون معنى الآية الإخبار عن أنه لا أحد أخذ بثأرهم ، ولا انتصر لهم ؛ لأن العرب كانت لا تبكى على القتيل إلا بعد الأخذ بثأره ، فكنى الله تعالى بهذاّ اللفظ عن فقد الانتصار والأخذ بالثأر ، على مذهب القوم الذين خوطبوا
__________________
(١) أنظر الأمالى (١ : ٣٨)