بالقرآن ؛ رابعها : أن يكون ذلك كناية عن أنه لم يكن لهم فى الأرض عمل صالح يرفع إلى السماء ، ويطابقه ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما فى هذه الآية قيل له : أو تبكيان على أحد؟ قال : نعم ، مصلّاه فى الأرض ومصعد عمله فى السماء ، وروى عن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال «ما من مؤمن إلا وله باب يصعد منه عمله ، وباب ينزل منه رزقه ، فاذا مات بكيا عليه» ومعنى البكاء هنا الإخبار عن الاختلال بعده ، كما يقال :
بكى منزل فلان بعده ، قال مزاحم [من الطويل]
بكت دارهم من أجلهم فتهللت |
|
دموعى ، فأىّ الجازعين ألوم؟ |
ويمكن فى الآية وجه خامس ، وهو أن يكون البكاء كناية عن المطر والسقيا ؛ لأن العرب تشبه المطر بالبكاء ، ويكون المعنى أن السماء لم تسق قبورهم ، ولم تجد على قبورهم ، على مذهب العرب ؛ لأنهم يستسقون السحاب لقبور من فقدوه من أعزائهم ، ويستنبتون لمواقع حفرهم الزهر والرياض ، قال النابغة (١) [من الطويل]
فلا زال قبر بين تبني وجاسم |
|
عليه من الوسمىّ طلّ ووابل |
فينبت حوذانا وعوفا منوّرا |
|
سأتبعه من خير ما قال قائل |
وكانوا يجرون هذا الدعاء مجرى الاسترحام ومسألة الله لهم الرضوان ، والفعل
__________________
(١) البيتان للنابغة الذبيانى من قصيدة يرثى فيها النعمان بن الحرث بن أبى شمر الغسانى ، وأولهما فى رواية الأصمعى
سقى الغيث قبرا بين بصرى وجاسم |
|
بغيث من الوسمىّ قطر ووابل |
وتبنى ، وبصرى ، وجاسم : مواضع بالشام. والوسمى : أول المطر ، والطل : الخفيف منه ، والوابل : الكثير ، والحوذان ، والعوف : نبتان ، وأولهما أطيب رائحة