الخليفتين بلونها المعروف مجداً في حساب التاريخ ما دام كل شان من شؤون الحرب ومعداته وأساليبه يتهيّأ بعمل أشبه ما يكون بالعمل الاجماعي من الأمة الذي تعبر به عن شخصيتها الكاملة تعبيراً عملياً خالداً ، ولا يعبر عن شخصيّة الحاكم الذي لم يصل إليه من لهيب الحرب شرر ، ولم يستقل فيه برأي ، ولم يتهيّأ له إلا بأمر ليس له فيه أدنى نصيب ، فان خليفة الوقت سواء أكان وقت فتح الشام أو العراق ومصر لم يعلم بكلمة الحرب عن قوة حكومته ومقدرة شخصه على أن يأخذ لهذه الكلمة أهبتها بل أعلن عن قوة الكلمة النبويّة التي كانت وعدا قاطعاً بفتح بلاد كسرى وقيصر اهتزت له قلوب المسلمين حماسة واملاً بل ايماناً ويقيناً ، ويحدثنا التاريخ ان كثيراً ممن اعتزل الحياة العملية بعد رسول الله لم يخرج عن عزلته إلى مجالات العمل إلا حين ذكر هذا الحديث النبوي ، فقد كان هو والايمان المتركز في القلوب القوة التي هيأت للحرب كل ظروفه وكل رجاله وامكانياته ، وأمر آخر هيأ للمسلمين أسباب الفوز ، وأنالهم النصر في معارك الجهاد لا يتصل بحكومة الشورى عن قرب أو بعد ، وهو الصيت الحسن الذي نشره رسول الله للإسلام في آفاق الدنيا ، واطراف المعمورة ، فلم يكن يتوجه المسلمون إلى فتح بلد من البلاد إلا كان امامهم جيش آخر من الدعايات والترويجات لدعوتهم ومبادئهم.
وفي أمر الفتوحات شيء آخر هو الوحيد الذي كان من وظيفة الحاكمين وحدهم القيام به دون سائر المسلمين الذين هيئوا بقية الأمور وهو ما يتلو الفتح من بثّ الروح الإسلامية ، وتركيز مثاليات القرآن في البلاد المفتوحة ، وتعميق الشعور الوجداني والديني في الناس الذي هو معنى وراء الشهادتين ، ولا أدري هل يمكننا أن نسجل للخليفتين شيئاً من البراعة في هذه الناحية أو نشك في ذلك كل الشك كما صار إليه بعض الباحثين وكما يدلّ عليه تاريخ البلاد المفتوحة في الحياة الإسلامية