والجواب المفصل عن هذا السؤال نخرج ببيانه عن حدود الموضوع ولكنا نعلم ان المسلمين في أيّام الخليفتين كانوا في اوج تحمسهم لدينهم ، والاستبسال في سبيل عقيدتهم ، حتى أن التاريخ سجل لنا ان شخصاً أجاب عمر حينما صعد يوماً على المنبر وسأل الناس : لو صرفناكم عمّا تعرفون إلى ما تنكرون ما كنتم صانعين ؟ ـ اذن كنا نستتيبك فان تبت قبلناك فقال عمر : وان لم ؟ ـ قال : نضرب عنقك الذي فيه عيناك. فقال عمر : الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من إذا اعوججنا اقام اودنا.
ونعلم ايضاً ان رجالات الحزب المعارض ـ واعني به أصحاب علي ـ كانوا بالمرصاد للخلافة الحاكمة ، وكان أي زلل وانحراف مشوه للون الحكم حينذاك كفيلاً بأن يقلبوا الدنيا رأساً على عقب ، كما قلبوها على عثمان يوم اشترى قصراً ، ويوم ولى أقاربه. ويوم عدل عن السيرة النبويّة المثلى ، مع انّ الناس في أيّام عثمان كانوا أقرب إلى الميوعة في الدين واللين والدعة منهم في أيّام صاحبيه.
ونفهم من هذا ان الحاكمين كانوا في ظرف دقيق لا يتسع للتغيير والتبديل في اسّس السياسة ونقاطها الحساسة لو ارادوا إلى ذلك سبيلا ، لانهم تحت مراقبة النظر الإسلامي العام الذي كان مخلصاً كل الإخلاص لمبادئه ، وجاعلاً لنفسه حق الاشراف على الحكم والحاكمين ، ولأنهم يتعرضون لو فعلوا شيئاً من ذلك لمعارضة خطرة من الحزب الذي لم يكن يزال يؤمن بان الحكم الإسلامي لابد ان يكون مطبوعاً بطابع محمدي خالص وان الشخص الوحيد الذي يستطيع ان يطبعه بهذا الطابع المقدّس هو علي وارث رسول الله ووصيه وولي المؤمنين من بعده.
وأما الفتوحات الإسلامية فكان لها الصدارة في حوادث تلك الأيام ولكننا جميعاً نعلم أيضاً ان ذلك لا يسجل للحكومة القائمة في ايام