التوسع في أمر لم أكن أريد ان أطيل فيه ؟ وليس لي ان افرط في جنب الموضوع الذي احاوله بالتوسع في أمر آخر ، ولكنها الحماسة لذلك العصر هي التي دفعتني إلى ذلك ، فهو بلا ريب زين العصور في الروحانية والاستقامة أنا أفهم هذا جيداً ، واوافق عليه متحمساً ، ولكني لا أفهم ان يمنع عن التعمق في الدرس العلمي ، أو التمحيص التاريخي لموضوع كموضوعات الساعة التي نتكلم عنها من مراحل ذلك الزمن ، أو يحضر علينا ان نبدأ البحث في مسألة فدك على أساس ان أحد الخصمين كان مخطئاً في موقفه بحسب موازين الشريعة ومقاييسها ، أو ان نلاحظ أن قصّة الخلافة وفكرة السقيفة لم تكن مرتجلة ولا وليدة يومها اذ دلنا على ذلك سير الحوادث حينذاك ، وطبيعة الظروف المحيطة بها.
واكبر الظن ان كثيراً منا ذهب في تعليل مناقب ذلك العصر ومآثره مذهبا جعله يعتقد ان رجالات الزمن الخالي ، وبتعبير أوضح تحديداً انّ أبا بكر وعمر واضرابهما الذين هم من موجهي الحياة العامّة يومئذ لا يمكن ان يتعرضوا لنقد أو محاكمة ، لأنهم بناة ذلك العصر والواضعون لحياته خطوطها الذهبية ، فتاريخهم تاريخ ذلك العصر ، وتجريدهم عن شيء من مناقبهم تجريد لذلك العصر عن مثاليته التي يعتقدها فيه كل مسلم.
واريد ان اترك لي كلمة مختصرة في هذا الموضوع فيها مادة لبحث طويل ، ولمحة من دراسة مهمة قد اعرض لها في فرصة أخرى من فرص التأليف ، واكتفي الآن ان اتساءل عن نصيب هذا الرأي من الواقع.
صحيح ان الإسلام في أيّام الخليفتين كان مهيمنا ، والفتوحات متصلة والحياة متدفقة بمعاني الخير ، وجميع نواحيها مزدهرة بالانبعاث الروحي الشامل ، واللون القرآني المشع ، ولكن هل يمكن ان نقبل ان التفسير الوحيد لهذا وجود الصديق أو الفاروق على كرسي الحكم ؟.