كلنا نود ان يكون التاريخ الإسلامي في عصره الأول الزاهر طاهراً كل الطهر ، بريئا مما يخالط الحياة الإنسانية من مضاعفات الشر ومزالق الهوى ، فقد كان عصراً مشعاً بالمثاليات الرفيعة ، اذ قام على انشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الاطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلىاللهعليهوآله روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم. بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود ، واليه تسير كما كان استاذهم الأكبر الذي فنى الوجود المنبسط كله بين عينيه ساعة هبوط الرسالة السماوية عليه. فلم يكن يرى شيئاً ولا يسمع صوتاً سوى الصوت الإلهي المنبعث من كل صوب وحدب ، وفي كل جهة من جهات الوجود ، وناحية من نواحي الكون يعلن تقليده الشارة الكبرى.
ان عصراً تلغى فيه قيمة الفوارق الماديّة على الاطلاق ، ويستوي فيه الحاكم والمحكوم في نظر القانون ، ومجالات تنفيذه ، ويجعل مدار القيمة المعنويّة ، والكرامة المحترمة فيه تقوى الله التي هي تطهير روحي ، وصيانة للضمير ، وارتفاع بالنفس إلى آفاق من المثالية الرفيعة ، ويحرم في عرفه احترام الغني لأنّه غني ، واهانة الفقير لأنّه فقير ، ولا يفرق فيه بين الأشخاص إلا بمقدار الطاقة الانتاجية ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) ويتسارع فيه إلى الجهاد لصالح النوع الإنساني الذي معناه الغاء مذهب السعادة الشخصية في هذه الدنيا ، واخراجها عن حساب الاعمال.
( أقول ) : ان العصر الذي تجتمع له كل هذه المفاخر لهو خليق بالتقديس والتبجيل والاعجاب والتقدير ، ولكن ماذا أراني دفعت الى