ما يسقط ويبقى ما يليق بالتقدير والملاحظة ، بل لنستلهم عواطفنا وموروثاتنا ونستمد من وحيها الاخاذ تاريخ اجيالنا السابقة ، فليس ذلك تاريخاً لاُولئك الأشخاص الذين عاشوا على وجه الأرض يوماً ما وكانوا بشراً من البشر تتنازعهم ضروب شتى من الشعور والاحساس ، وتختلج في ضمائرهم ألوان مختلفة من نوازع الخير ونزعات الشر ، بل هو ترجمة لاُشخاص عاشوا في ذهننا وطارت بهم نفوسنا إلى الآفاق العالية من الخيال.
فاذا كنت تريد ان تكون حراً في تفكيرك ، ومؤرخا لدنيا الناس لا روائيا يستوحي من دنيا ذهنه ما يكتب ، فضع عواطفك جانباً أو إذا شئت فاملأ بها شعاب نفسك فهي ملكك لا ينازعك فيها أحد ، واستثن تفكيرك الذي به تعالج البحث فانه لم يعد ملكك بعد ان اضطلعت بمسؤولية التاريخ وأخذت على نفسك ان تكون اميناً ليأتي البحث مستوفياً لشروطه قائماً على اسّس صحيحة من التفكير والاستنتاج.
كثيرة جداً هذه الأسباب التي تحول بين نقاد التاريخ وبين حريتهم فيما ينقدون وقد اعتاد المؤرخون أو أكثر المؤرخين بتعبير أصح ان يقتصروا على ضروب معينة من هندسة الحياة التي يؤرخونها وأن يصوغوا التاريخ صياغة قد يظهر فيها الجمال الفني احياناً حينما يتوسع الباحث في انطباعاته عن الموضوع ، ولكنها صورة باهتة في أكثر الاحايين ليس فيها ما في دنيا الناس التي تصورهم من معاني الحياة وشؤونها المتدفقة بألوان من النشاط والحركة والعمل وسوف تجد فيما يأتي امثلة بمقدار ما يتسع له موضوعنا من الزمن الدقيق الذي ندرسه في هذه الفصول أعني الظرف الذي تلا وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وتقررت فيه المسألة الأساسية في تاريخ الإسلام على شكل لا يتغير ، وهي نوع السلطة التي ينبغي أن تتولى أمور المسلمين ..