وهذا الكلام يكشف لنا عن جانب من شخصيّة الخليفة ، ويلقي ضوءاً على منازعة الزهراء له ، والذي يهمنا الآن ما يوضحه من أمر هذه المنازعة وانطباعات الخليفة عنها ، فانّه فهم حق الفهم انّ احتجاج الزهراء لم يكن حول الميراث أو النحلة ، وانّما كان حرباً سياسية كما نسميها اليوم وتظلماً لقرينها العظيم الذي شاء الخليفة وأصحابه أن يبعدوه عن المقام الطبيعي له في دنيا الإسلام ، فلم يتكلم إلا عن علي فوصفه بأنّه ثعالة وانّه مرب لكل فتنة وانّه كام طحال وان فاطمة ذنبه التابع له ، ولم يذكر عن الميراث قليلاً أو كثيراً.
ولنلاحظ ما جاءت به الرواية في صحاح السنة من انّ علياً والعباس كانا يتنازعان في فدك في أيّام عمر بن الخطاب فكان علي يقول انّ رسول الله صلىاللهعليهوآله جعلها في حياته لفاطمة ، وكان العباس يأبى ذلك ويقول هي ملك رسول الله وأنا وارثه ويتخاصمان إلى عمر فيأبى أن يحكم بينهما ويقول انتما أعرف بشأنكما اما أنا فقد سلمتها اليكما.
فقد نفهم من هذا الحديث إذا كان صحيحاً ان حكم الخليفة كان سياسياً موقتاً وانّ موقفه كان ضرورة من ضرورات الحكم في تلك الساعة الحرجة وإلا فلما أهمل عمر بن الخطاب رواية الخليفة وطرحها جانبا وسلم فدكاً إلى العباس وعلي وموقفه منهما يدلّ على انّه سلم فدكاً اليهما على أساس انّها ميراث رسول الله لا على وجه التوكيل ، اذ لو كان على هذا الوجه لما صحّ لعلي والعباس ان يتنازعا في أن فدكاً هل هي نحلة من رسول الله لفاطمة أو تركة من تركاته التي يستحقها ورثته وما أثر هذا النزاع ولو فرض انّها في رأي الخليفة مال للمسلمين وقد وكلهما في القيام عليه ، ولفض عمر النزاع وعرفها انّه لا يرى فدكاً مالاً موروثاً ولا من املاك فاطمة وانّما اوكل أمرها اليهما لينوبا عنه برعايتها وتعاهدها كما ان عدم حكمه بفدك لعلي وحده معناه انّه لم يكن واثقاً بنحلة رسول