فالذي تؤثر المصيبة عليه إلى حد تفقده صوابه لا يقف بعدها بساعة يحاجج ويجادل ويقاوم ويناضل.
ونحن نعلم أيضاً انّ عمر لم يكن يرى ذلك الرأي الذي أعلنه في تلك الساعة الحرجة قبل ذلك بأيام أو بساعات حينما اشتدّ برسول الله (ص) المرض واراد ان يكتب كتاباً لا يضلّ الناس بعده فعارضه عمر وقال ان كتاب الله يكفينا وانّ النبي يهجر أو قد غلب عليه الوجع كما في صحاح السنة فكان يؤمن بأن رسول الله يموت وانّ مرضه قد يؤدّي إلى موته وإلا لما اعترض عليه.
وقد جاء في تاريخ ابن كثير انّ عمر بن زائدة قرأ الآية التي قرأها أبو بكر على عمر قبل ان يتلوها أبو بكر فلم يقتنع عمر وانّما قبل كلام أبي بكر خاصة واقتنع به.
فما يكون تفسير هذا كله إذا لم يكن تفسيره انّ عمر شاء ان يشيع الاضطراب بمقالته بين الناس لينصرفوا إليها وتتجه الأفكار نحوها تفنيداً أو تأييداً مادام أبو بكر غائباً لئلا يتم في أمر الخلافة شيء ويحدث أمر لابد ان يحضره أبو بكر ـ على حد تعبيره ـ وبعد ان أقبل أبو بكر اطمأن باله وامن من تمام البيعة للبيت الهاشمي مادام للمعارضة صوت في الميدان وانصرف إلى تلقط الأخبار حادساً بما سيقع فظفر بخبر ما كان يتوقعه.
الثالث : شكل الحكومة التي تمخضت عنها السقيفة ، فقد تولّى أبو بكر الخلافة وأبو عبيدة المال وعمر القضاء (١) وفي مصطلحنا اليوم ان الأول تولّى السياسة العليا والثاني تولّى السياسة الاقتصادية والثالث تولّى السلطات القضائية وهي الوظائف الرئيسية في مناهج الحكم
__________________
(١) راجع الجزء الثاني من تاريخ ابن الأثير صفحة ١٦١.