المسيب ، وردّوا مراسيل الزهري ، وهو الحافظ الثقة.
أما في رواية الشواهد النحوية الشعرية : فقال البغدادي : «إن الشاهد المجهول قائله وتتمته (نصف بيت) إن صدر من ثقة يعتمد عليه قبل ، وإلا فلا. ولهذا كانت أبيات سيبويه أصح الشواهد ، اعتمد عليها خلف بعد سلف ، مع أنّ فيها أبياتا عديدة جهل قائلوها ، وما عيب بها ناقلوها ...» [الخزانة ١ / ١٦].
أرأيت دقّة الرواية في الحديث النبوي : أهل الحديث يرفضون رواية التابعي الثقة الحافظ إذا أرسل إلى رسول الله ، ولم يسقط من السند إلا الصحابي. وأهل اللغة يقبلون رواية ثقتهم ، بلا إسناد ، وعن مجهول ، وتعدّ روايته أصح الشواهد.
وبعد : فقد أخطأ أبو حيّان الجياني ، وابن الضائع ، ومن لفّ لفهما وأيدهما في حكمهما على لغة الحديث ، وأخطأ سيبويه ومن عاصره من البصريين والكوفيين ـ إن كانوا لم يحتجوا بالحديث لما قاله أبو حيّان.
وأصابا ابن خروف وابن مالك (على لغة : يتعاقبون فيكم) فيما صنعا ، وسنّا سنة حسنة ، لهما أجرها ، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
٧ ـ بين البصريين والكوفيين :
لم يصلنا شيء من مؤلفات الكوفيين في النحو ، وما وصلنا جاء عن طريق خصومهم البصريين مطعونا فيه. وقد تعصب النحويون على الكوفيين وبالغوا في الردّ عليهم إلى حدّ الغلوّ ، ووصل أثر العصبية إلى العصر الحديث ، فلا يكاد يعرف المتعلمون في المدارس والجامعات إلا المذهب البصريّ في النحو.
وقد صنع الأنباري كتابا جمع فيه مسائل الخلاف بين أهل المصرين وسماه «الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين» .. والأنباري بصري الميل ، ولذلك لم يكن منصفا فيما زعم أنه الإنصاف بل تعصب على الكوفيين في أكثر المسائل ، وحرّم على الكوفيين ما أباحه للبصريين. وأذكر لك مسألة واحدة لتعرف التعصب :
قال الأنباري : «مسألة : هل يجوز إظهار «أن» المصدرية ، بعد «لكي»؟ ذهب