ليس مما يتمشى في كلّ موضوع ، على أنّ إثبات ذلك في كل بيت دونه خرط القتاد ، زد إلى ذلك ما طرأ على الشعر من التصحيف والوضع والاختلاق من مثل ابن دأب ، وابن الأحمر ، والكلبي وأضرابهم ، ورواة الشعر أيضا فيهم من الأعاجم والشعوبية أمم. على أن المسلمين في القرون الأولى كانوا أحرص على إتقان الحديث من حفظ الشعر والتثبت في روايته ، وقد قيض الله لأحاديث رسوله من الجهابذة النقاد من نفى عنه ما كان فيه من شبهة الوضع والانتحال ، وهذا حرم الشعر منه».
ط ـ على فرض أن الحديث بقي يروى شفاها قبل تدوينه ، فإن ذلك لا يتجاوز رأس المئة الأولى ؛ لأن الثابت أن عمر بن عبد العزيز أمر بتدوين السّنّة أيام خلافته ، وبعث بدعوته إلى الأقاليم كلها .. ومعنى هذا أن السّنّة أخذت من أفواه التابعين ، وما بين هذا الزمن ، ونهاية عصر الصحابة الذين نقلوا الحديث عن رسول الله ، لا يتجاوز العقود القليلة. بل إنّ بعض الصحابة عاش إلى العقد الأخير من القرن الأول ، مثل أنس بن مالك الذي توفي سنة ٨٣ ه ، وعبد الله بن عمر توفي سنة ٧٣ ه ، وأبو هريرة توفي سنة ٥٩ ه ، والسيدة عائشة توفيت سنة ٥٨ ه ، وأم سلمة توفيت سنة ٦٢ ه. وهؤلاء الذين ذكرتهم من أكثر من رووا حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهذا يعني أن النصف الثاني من القرن الأول شهد عددا كبيرا من الصحابة الذين روي عنهم أكثر الحديث النبوي. والزمن الفاصل بين وفاتهم ، وتدوين الحديث كان زمنا قصيرا جدا زد على هذا أن الحديث الواحد له عن الصحابي طرق متعددة ، وأخذه عن الصحابي عدد من التابعين ، وهذا يعطي النصّ توثيقا أكثر.
فأعطني شاهدا نحويا له هذا القرب من التدوين ، وهذه الطرق المتعددة من الرواية ، مع الوثوق بالراوي ، وأخص بذلك الشعر الجاهلي ، الذي يفصله عن زمن التدوين قرون متطاولة ، وهناك مئات من الشواهد لا يعرف قائلها.
ي ـ وتأمّل جيدا الفرق التالي في الرواية :
لو أنّ تابعيا ثقة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو ينسب الحديث إلى معيّن ، وهو رسول الله ، لم يقبل منه هذا الحديث ، ولم يكادوا يقبلون إلا مراسيل سعيد بن