ومن ذلك قولهم «صلاة الأولى ، ومسجد الجامع ، وبقلة الحمقاء» والأولى في المعنى هي الصلاة ، والجامع هو المسجد ، والبقلة هي الحمقاء ، وقد أضافوها إليها ، فدل على ما قلناه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه لا يجوز لأن الإضافة إنما يراد بها التعريف والتخصيص ، والشيء لا يتعرف بنفسه ؛ لأنه لو كان فيه تعريف كان مستغنيا عن الإضافة ، وإن لم يكن فيه تعريف كان بإضافته إلى اسمه أبعد من التعريف ؛ إذ يستحيل أن يصير شيئا آخر [١٨٢] بإضافة اسمه إلى اسمه ؛ فوجب أن لا يجوز كما لو كان لفظهما متّفقا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما ما احتجوا به فلا حجة لهم فيه ؛ لأنه كله محمول على حذف المضاف إليه وإقامة صفته مقامه : أما قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) [الواقعة : ٩٥] فالتقدير فيه : حق الأمر اليقين ، كما قال تعالى : (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة : ٥] أي دين الملّة القيّمة ، وأما قوله تعالى : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) [يوسف : ١٠٩] فالتقدير فيه : ولدار الساعة الآخرة ، وأما قوله تعالى : (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [ق : ٩] أي حب الزرع الحصيد ، ووصف الزره بالحصيد ، وهو التحقيق (١) ؛ لأن الحب اسم لما ينبت في الزرع ، والحصد إنما يكون للزرع الذي ينبت فيه الحب ، لا للحب ، ألا ترى أنك تقول «حصدت الزرع» ولا تقول «حصدت الحب» ، وأما قوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) [القصص : ٤٤] فالتقدير فيه : بجانب المكان الغربيّ ، وأما قولهم «صلاة الأولى» فالتقدير فيه : صلاة الساعة الأولى ، وأما قولهم «مسجد الجامع» فالتقدير فيه : مسجد الموضع الجامع ، وأما قولهم «بقلة الحمقاء» فالتقدير فيه : بقلة الحبة الحمقاء (٢) ؛ لأن البقلة اسم لما نبت من تلك الحبة ، ووصف الحبة بالحمق ، وهو التحقيق (٣) ؛ لأنها الأصل ، وما نبت
______________________________________________________
يرمى فيها ولزم مدرج السيول لأن الصيادين يبتعدون عنه ، ومحل الاستشهاد عند المؤلف بهذا البيت في هذا الموضع قوله «جانب الغربي» فإن المراد بالجانب هو نفس المراد بالغربي عند الكوفيين ، وقد أضاف الشاعر «جانب» إلى «الغربي» فيكون قد أضاف اسما إلى اسم آخر بمعناه ، وزعموا أن قوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) من هذا القبيل ، والبصريون يذهبون إلى أن الكلام تقدير مضاف يكون موصوفا بما جعل مضافا إليه ، أي جانب المكان الغربي ، فهو من باب حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، وهو تكلّف لا داعي له.
__________________
(١) كذا في الأصل في الموضعين ، والراجح عندنا أن الواو في قوله «وهو التحقيق» زائدة ، وأصل الكلام : ووصف الزرع بالحصيد هو التحقيق ، وكذلك في الموضع الثاني.
(٢) في ر «بقلة الجنة الحمقاء» تحريف.
(١) كذا في الأصل في الموضعين ، والراجح عندنا أن الواو في قوله «وهو التحقيق» زائدة ، وأصل الكلام : ووصف الزرع بالحصيد هو التحقيق ، وكذلك في الموضع الثاني.