فأفرد قوله «كلت» فدلّ على أن «كلتا» تثنية.
______________________________________________________
للتأنيث ، وأصل كل واحد منهما قبل اللواحق «كل» بتشديد اللام ـ الذي يستعمل في نحو قولك «الأمر كله بيد الله» فحذفت لامها الثانية وكسرت كافها ، ثم لو أردت المفرد المؤنث زدت التاء فقلت «كلت» كما قال الراجز «في كلت رجليها» وإذا أردت المثنى المذكر زدت الألف الدالة على التثنية فقلت «كلا الرجلين عندي رجل خير» وإذا أردت المثنى المؤنث زدت التاء للدلالة على التأنيث والألف للدلالة على التثنية فقلت «كلتا المرأتين عفيفة المئزر» وسيبويه رحمهالله وجمهور نحاة البصرة لا يرتضون هذا الكلام ، وعندهم أن «كلا» و «كلتا» مفردان لفظا مثنيان معنى ، والألف فيهما هي لام الكلمة ، فوزن «كلا» فعل ـ بكسر الفاء وفتح العين ، نظير رضا ومعى ـ وهذه الألف التي في «كلا» منقلبة عن واو ، وقيل : عن ياء ، ووزن «كلتا» فعلى مثل ذكرى ـ والتاء فيها هي لام الكلمة ، وأصلها واو على ما اختاره ابن جني ، واختار أبو علي أن أصلها ياء ، أما الألف في «كلتا» فهي زائدة لدلالة التأنيث ، قالوا : والدليل على أن هاتين الكلمتين مفردان لفظا مثنيان معنى أنه يخبر عنهما بالمفرد ويعود الضمير إليهما مفردا ، ولو كانا مثنيين لفظا ومعنى لما جاز أن يخبر عنهما بالمفرد ولا أن يعود إليهما الضمير مفردا ، وأيضا فإنا نجد العرب جميعا إذا أضافوهما إلى الاسم الظاهر يلزمونهما الألف في الرفع والنصب والجر نحو «كلا الرجلين مؤدب» ونحو «كلتا المرأتين صالحة» ونحو «إن كلا هذين الرجلين مستقيم» وما أشبه ذلك ، ولو كانا مثنيين لفظا ومعنى لوجب أن يجيئا بالياء في حال النصب والجر في لسان أكثر العرب من غير تفرقة بين ما إذا كان المضاف إليه مضمرا وما إذا كان مظهرا ، كسائر المثنيات ، واستمع إلى ما نقله ابن منظور عن الجوهري ، قال : «كلا في تأكيد الاثنين نظير كل في المجموع ، وهو اسم مفرد غير مثنى ، فإذا ولي اسما ظاهرا كان في الرفع والنصب والخفض على حالة واحدة ، بالألف ، تقول : رأيت كلا الرجلين ، وجاءني كلا الرجلين ، فإذا اتصل بمضمر قلبت الألف ياء في موضع الجر والنصب فقلت : رأيت كليهما ، ومررت بكليهما ، وتبقى في الرفع على حالها ، وقال الفراء : هو مثنى ، مأخوذ من كل ، فخففت اللام ، وزيدت الألف للتثنية ، وكذلك كلتا للمؤنث ، ولا يكونان إلا مضافين ، ولم يتكلم منهما بواحد ، ولو تكلم به لقيل : كل ، وكلت ، وكلان ، وكلتان ، واحتج بقول الشاعر :
* في كلت رجليها سلامى واحده*
أراد في إحدى رجليها فأفرد ، وهذا القول ضعيف عند أهل البصرة ؛ لأنه لو كان مثنى لوجب أن تنقلب ألفه في النصب والجر ياء مع الاسم الظاهر ؛ ولأن معنى كلا مخالف لمعنى كل ؛ لأن كلا للإحاطة ، وكلا يدل على شيء مخصوص ، وأما هذا الشاعر فإنما حذف الألف للضرورة وقدر أنها زائدة ، وما يكون ضرورة لا يجوز أن يجعل حجة ، فثبت أنه اسم مفرد كمعى ، إلا أنه وضع ليدل على التثنية ، كما أن قولهم نحن اسم مفرد يدل على الاثنين فما فوقهما» اه كلامه.
ونظير هذا الشاهد ـ في حذف الألف من «كلتا» بخصوصها ـ قول الشاعر الآخر ، وهو من شواهد الرضي :
كلت كفيه توالي دائما |
|
بجيوش من عقاب ونعم |