وأما القياس فقالوا : الدليل على أنها ألف التثنية أنها تنقلب إلى الياء في النصب والجر إذا أضيفتا إلى المضمر ، وذلك نحو قولك «رأيت الرجلين كليهما ، ومررت بالرجلين كليهما ، ورأيت المرأتين كلتيهما ، ومررت بالمرأتين كلتيهما» ولو كانت الألف في آخرهما كالألف في آخر «عصا ، ورحا» لم تنقلب كما لم تنقلب ألفهما نحو «رأيت عصاهما ورحاهما ، ومررت بعصاهما ورحاهما» فلما انقلبت الألف فيهما انقلاب ألف «الزيدان ، والعمران» دلّ على أن تثنيتهما لفظية ومعنوية.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : الدليل على أن فيهما إفرادا لفظيا وتثنية معنوية أن الضمير تارة يردّ إليهما مفردا حملا على اللفظ ، وتارة يردّ إليهما مثنى حملا على المعنى.
فأما ردّ الضمير مفردا حملا على اللفظ فقد جاء ذلك كثيرا ، قال الله تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) [الكهف : ٣٣] فقال (آتَتْ) بالإفراد حملا على اللفظ ، ولو كان مثنى لفظا ومعنى لكان يقول آتتا كما تقول : الزيدان ذهبا ، والعمران ضربا ، وقال الشاعر :
[٢٧٥] كلا أخوينا ذو رجال ، كأنّهم |
|
أسود الشّرى من كلّ أغلب ضيغم |
______________________________________________________
والعرب كما تشبع الحركات فتنشأ عنها حروف اللين (انظر الشواهد ٦ ـ ١٧ في المسألة الثانية) تقطع حروف المد ، وتحذفها مجتزئة بالحركات التي قبلها ؛ لأنها مجانسة لها ودالة عليها (وانظر الشواهد ٢٤٥ ـ ٢٥٤ التي مرت في المسألة ٥٦ ، ثم انظر لها نظائر في المسألة ٧٢) وفي هذا القدر ما يكفي أو يغني.
[٢٧٥] الشرى ـ بفتح الشين ، بوزن الفتى ـ موضع تنسب إليه الأسود ، ويقال للشجعان : هم أسود الشرى ، قال بعضهم : شرى موضع بعينه تأوي إليه الأسود ، وقيل : هو شرى الفرات وناحيته ، وبه غياض وآجام ومأسدة ، وقال الشاعر :
* أسود شرى لاقت أسود خفية*
والشرى : طريق في جبل سلمى أحد جبلي طيّىء كثير الأسد. والأغلب : يراد منه الأسد ، والضيغم : الأسد أيضا ، وقيل : هو الواسع الشدق من الأسد ، وأصل اشتقاقه من الضغم وهو العض الشديد ، ومحل الاستشهاد من البيت قوله «كلا أخوينا ذو رجال» فدل ذلك على أن «كلا» له جهة إفراد ، وإلا لما صح الإخبار عنه بالمفرد ؛ لأن المبتدأ والخبر يجب أن يتطابقا في الإفراد والتثنية والجمع ، ولا تخلو جهة الإفراد في كلا أن تكون جهة اللفظ أو جهة المعنى ، وقد اتفق الفريقان الكوفيون والبصريون على أن «كلا» مثنى في المعنى ـ وقد أخبر عن «كلا» بمفرد وهو قوله «ذو رجال» ـ فبقي جهة اللفظ ، فوجب أن يكون مفردا لفظا ، وهو ما ذهب إليه البصريون.