فقال «واثق» بالإفراد. وقال الآخر :
[٢٧٩] كلا يومي أمامة يوم صدّ |
|
وإن لم نأتها إلّا لماما |
______________________________________________________
وأكثر منا يافعا يبتغي العلا |
|
يضارب قرنا دارعا وهو حاسر |
وقد أنشد ابن منظور هذه الأبيات (ق د ر) وعزاها إليه. وثقل الرجل ـ بفتح الثاء والقاف جميعا ـ حشمه ومتاع بيته ، وأراد به ههنا النساء ، يقول : نساؤنا ونساؤهم طامعات في ظهور كل واحد من القبيلين على صاحبه ، والأمر في ذلك يجري على ما قدره الله تعالى ، و «مستلبا سرباله» هو بنصب سرباله على أنه مفعول ثان لمستلب ، وفي مستلب ضمير مستتر هو نائب فاعله وهو المفعول الأول. وأراد بقوله «لا يناكر» أنه لا ينكر ذلك لأنه مصروع قد قتل ، ومن الناس من يرويه برفع «سرباله» على أنه هو نائب الفاعل وليس في مستلب ضمير ، واليافع : المترعرع الداخل في عصر شبابه ، والدارع : لابس الدرع ، والحاسر : الذي لا درع عليه ، و «قدر» في البيت الأول هو بالتخفيف و «قادر» اسم الفاعل منه ، وفي حديث الاستخارة «فاقدره لي ويسّره عليّ» ومعناه اقض لي به وهيّىء لي أسبابه. والاستشهاد بهذا البيت في قوله «كلا ثقلينا واثق» حيث أخبر بواثق وهو مفرد عن «كلا» فوجب أن يكون «كلا» مفردا لوجوب توافق المبتدأ والخبر ، ولما كان «كلا» مثنى من جهة المعنى بالإجماع وجب أن يكون مفردا من جهة اللفظ ليتم توافق المبتدأ وخبره ، وهذا رأي البصريين في «كلا» أنها مفرد لفظا مثنى معنى.
[٢٧٩] هذا البيت من كلام جرير بن عطية بن الخطفي (د ٥٣٩) من قصيدة يقولها لهريم وهلال بن أحوز المازني ، وأولها قوله :
ألا حي المنازل والخياما |
|
وسكنا طال فيها ما أقاما |
وقد أنشد ابن منظور بيت الشاهد (ك ل ا) وعزاه إليه ؛ ورواية اللسان مثل رواية المؤلف ههنا ، ولكن الذي في ديوان جرير «كلا يومي أمامة يوم صدق» أي يوم صالح ، والذوق يشهد أن رواية الديوان خير مما هنا ، وتقول «فلان لا يزورنا إلا لماما» تريد أنه يزور في بعض الأحيان على غير مواظبة ، ومحل الاستشهاد في هذا البيت قوله «كلا يومي أمامة يوم» حيث أخبر بيوم وهو مفرد عن «كلا» وذلك يدل على أن «كلا» مفرد ، على نحو ما قررناه في الشواهد السابقة ، ونظير بيت جرير قول امرىء القيس بن حجر الكندي :
كلانا إذا ما نال شيئا أفاته |
|
ومن يحترث حرثي وحرثك ينسل |
ألا تراه قد أعاد الضمير على كلانا مفردا في «نال» وفي «أفاته» ومثله قول عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب :
كلانا غني عن أخيه حياته |
|
ونحن إذا متنا أشد تغانيا |
فأخبر عن «كلا» بالمفرد وهو قوله «غني» وأعاد الضمير إليه مفردا في قوله «عن أخيه» وفي قوله «حياته» ، ونظير ذلك قول القتال الكليبي :
تضمنت الأروى لنا بطعامنا |
|
كلانا له منها نصيب ومأكل |
فأعاد الضمير إلى كلانا مفردا في قوله «له» وعلى وجه الإجمال إنك لتجد العرب يراعون في «كلا» الإفراد أكثر مما يراعون التثنية ، وعلى ذلك جرى أكثر كلامهم.