فقال «خطّ» بالإفراد ، والشواهد على هذا النحو كثيرة جدا.
وأما ردّ الضمير مثنى حملا على المعنى فعلى ما حكي عن بعض العرب أنه قال «كلاهما قائمان ، وكلتاهما لقيتهما» وقال الشاعر :
[٢٨٢] كلاهما حين جدّ الجري بينهما |
|
قد أقلعا ، وكلا أنفيهما رابي |
______________________________________________________
لأن الاستعمال العربي على أنه إذا كان الفاعل ضميرا مؤنثا وجب في غير الضرورة إلحاق تاء التأنيث بالفعل المسند إلى هذا الضمير سواء أكان مرجع الضمير حقيقي التأنيث نحو «زينب قامت» أم كان مجازي التأنيث نحو «الشمس طلعت» فاعرف هذا.
[٢٨٢] هذا البيت من كلام الفرزدق همام بن غالب ، وكان جرير بن عطية قد زوج ابنته عضيدة للأبلق ، فعيره الفرزدق وهجاه ، وقيل البيت المستشهد به قوله :
ما كان ذنب التي أقبلت تعتلها |
|
حتى اقتحمت بها أسكفة الباب |
ولم يقف العيني على سبب الشعر ولا السيوطي فزعما أن الكلام في وصف فرسين ، وتبعهما العلامتان الصبان والأمير ، والصواب ما ذكرناه ، وهذا البيت من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل (ص ٦٤) وابن جني في الخصائص (٢ / ٤٢١ و ٣ / ٣١٤) والأشموني (رقم ٢٠) وابن هشام في المغني (رقم ٣٣٩) والضمير في «كلاهما» وما بعده يعود إلى عضيدة وزوجها الأبلق ، أو يعود إلى جرير وابنته على نوع من الالتفات فقد كان من حق الكلام عليه ـ إذا أراد ذلك ـ أن يقول «كلاهما» وتعتلها : تجذبها جذبا عنيفا ، وبابه نصر أو ضرب ، وأسكفة الباب ـ بفتح الهمزة وسكون السين وضم الكاف وتشديد الفاء مفتوحة ـ عتبته ، و «أقلعا» كفا عنه وتركاه ، و «رابي» منتفخ. والاستشهاد بالبيت في قوله «كلاهما قد أقلعا» وقوله «وكلا أنفيهما رابي» فقد أعاد الضمير إلى «كلاهما» في العبارة الأولى مثنى وذلك قوله «أقلعا» مراعاة لمعنى «كلا» وأخبر عن كلا في العبارة الثانية بمفرد ، وذلك في قوله «رابي» مراعاة للفظ «كلا» فدل ذلك على أنه يجوز مراعاة لفظ «كلا» ومراعاة معناها ، ويجوز الجمع بين الوجهين في الكلام الواحد ، قال ابن جني في تخريج قوله قد أقلعا «هذا محمول على المعنى كما يحمل على معنى كل ومن ، نحو قوله تعالى : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) وقوله تعالى : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) وقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) وفي موضع آخر (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) وقال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) فأعاد الضمير على اللفظ تارة بالإفراد وعلى المعنى أخرى بالجمع ، فكذلك كلا لفظه مفرد ومعناه التثنية فلك أن تحمل الخبر تارة على اللفظ فتفرده ، وتارة على المعنى فتثنيه» اه ومثل قوله «كلاهما قد أقلعا» في عود الضمير إلى كلا مثنى ـ قول الشاعر وأنشده أبو عمرو الشيباني :
كلا جانبيه يعسلان كلاهما |
|
كما اهتز خوط النبعة المتتابع |
فأخبر بقوله «يعسلان» وفيه ضمير المثنى عن قوله «كلا جانبيه» وقوله «كلاهما» الثاني توكيد لكلا الأول مراعاة للمعنى أيضا ، ويجوز أن يكون «كلاهما» الثاني توكيدا للضمير في قوله «يعسلان» فاعرف ذلك.
ومن الجمع بين مراعاة لفظ «كلا» ومعناه قول الأسود بن يعفر في بعض الاحتمالات :
إن المنية والحتوف كلاهما |
|
يوفي المخارم يرقبان سوادي |