فقال «أقلعا» حملا على المعنى ، وقال «رابي» حملا على اللفظ.
والحمل في «كلا ، وكلتا» على اللفظ أكثر من الحمل على المعنى ، ونظيرهما في الحمل على اللفظ تارة وفي الحمل على المعنى أخرى «كلّ» فإنه لما كان مفردا في اللفظ مجموعا في المعنى ردّ الضمير إليه تارة على اللفظ وتارة على المعنى ، كقولهم «كل القوم ضربته ، وكل القوم ضربتهم» وقد جاء بهما التنزيل ، قال الله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) [مريم : ٩٣] فقال (آتِي) بالإفراد حملا على اللفظ ، وقال تعالى : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) [النمل : ٨٧] فقال (أَتَوْهُ) بالجمع حملا على المعنى ، إلا أن الحمل على المعنى في «كل» أكثر من الحمل على المعنى في «كلا ، وكلتا».
والذي يدلّ على أن فيهما إفرادا لفظيا أنك تضيفهما إلى التثنية فتقول :
«جاءني كلا أخويك ، ورأيت كلا أخويك ، ومررت بكلا أخويك ، وجاءني أخواك كلاهما ، ورأيتهما كليهما ، ومررت بهما كليهما» وكذلك حكم إضافة [١٨٥] «كلتا» إلى المظهر والمضمر ، فلو كانت التثنية فيهما لفظية لما جاز إضافتهما إلى التثنية ؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه.
والذي يدلّ على أن الألف فيهما ليست للتثنية أنها تجوز إمالتها ، قال الله تعالى : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) [الإسراء : ٢٣] وقال تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) [الكهف : ٣٣] قرأهما حمزة والكسائي وخلف بإمالة الألف فيهما ، ولو كانت الألف فيهما للتثنية لما جازت إمالتها ؛ لأن ألف التثنية لا تجوز إمالتها.
والذي يدلّ أيضا على أن الألف فيهما ليست للتثنية أنها لو كانت للتثنية لانقلبت في حالة النصب والجر إذا أضيفتا إلى المظهر ؛ لأن الأصل هو المظهر ، وإنما المضمر فرعه ، تقول : «رأيت كلا الرجلين ، ومررت بكلا الرجلين» ، وكذلك تقول في المؤنث : «رأيت كلتا المرأتين ، ومررت بكلتا المرأتين» ولو كانت للتثنية لوجب أن تنقلب مع المظهر كما تنقلب مع المضمر ؛ فلما لم تنقلب دل على أنها ألف مقصورة ، وليست للتثنية.
والذي يدلّ على أن «كلا» ليست مأخوذة من «كلّ» أن كلّا للإحاطة وكلا لمعنى مخصوص ؛ فلا يكون أحدهما مأخوذا من الآخر.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما احتجاجهم بقول الشاعر :
* في كلت رجليها سلامى واحده* [٢٧٤]