فأكد «ليلة» وهي نكرة بقوله «كلها» ومؤيدا خنفقيقا : اسمان من أسماء الداهية. وقال الآخر :
[٢٨٧] * قد صرّت البكرة يوما أجمعا*
______________________________________________________
أعنت عديا على شأوها |
|
تعادي فريقا وتنفي فريقا |
أطعت اليمين عناد الشمال |
|
تنحي بحد المواسي الحلوقا |
وقوله «يا حكيم» هزء منه وسخرية به ، أي أنت الذي تزعم أنك حكيم وتخطىء هذا الخطأ ، وقوله «أطعت اليمين عناد الشمال» مثل ضربه ، يريد فعلت فعلا أمكنت به أعداءنا منا ، وقوله «زحرت به ليلة كلها» أصل الزحير والزحار ـ مثل النعيب والنعاب ـ إخراج الصوت أو النفس بأنين عند عمل أو شدة ، ويقال للمرأة إذا ولدت ولدا : زحرت به ، وتزحرت به ، وقوله «وجئت به مؤيدا خنفقيقا» أي ناقصا مقصرا والاستشهاد بهذا البيت في قوله «ليلة كلها» حيث أكدّ قوله «ليلة» وهي نكرة محدودة لها أول وآخر معروفان معهودان بقوله «كلها» وذلك يدل لمذهب الكوفيين الذين أجازوا توكيد النكرة ، ونظير هذا البيت ـ في توكيد النكرة ـ قول الراجز :
يا ليتني كنت صبيا مرضعا |
|
تحملني الذلفاء حولا أكتعا |
إذا بكيت قبلتني أربعا |
|
إذا ظللت الدهر أبكي أجمعا |
الاستشهاد به في قوله «حولا أكتعا» فإنه أكد قوله «حولا» وهو نكرة محدودة ذات أول وآخر معروفين بقوله «أكتعا» وهو لفظ من ألفاظ التوكيد المعروفة.
وقد بيّن ابن هشام الصحيح من المذهبين بإيجاز في قوله «وإذا لم يفد توكيد النكرة لم يجز باتفاق ، وإن أفاد جاز عند الكوفيين ، وهو الصحيح ، وتحصل الفائدة بأن يكون المؤكد محدودا والتوكيد من ألفاظ الإحاطة ، كاعتكفت أسبوعا كله ، وقوله :
* يا ليت عدة حول كله رجب*
اه.
[٢٨٧] هذا بيت من الرجز المشطور ، وهو مجهول النسبة ، وهو من شواهد ابن يعيش (ص ٣٦٤) ورضي الدين في باب التوكيد من شرح الكافية ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٢ / ٣٥٧) والأشموني (رقم ٧٩٤) وابن عقيل (رقم ٢٩٠) وقبل البيت المذكور قوله :
* إنا إذا خطافنا تقعقعا*
والخطاف ـ بوزن رمان ـ الحديدة المعوجة تكون في جانب البكرة ، وتقعقع : تحرك وسمع له صوت ، وصرت : صوتت ، والبكرة : ما يستقى عليه الماء من البئر ، وهي هنا بفتح الباء وسكون الكاف ، وأصلها بالتحريك. والاستشهاد بالبيت في قوله «يوما أجمعا» حيث أكد قوله «يوما» وهو نكرة محدودة ذات مبدأ ونهاية بقوله «أجمع» وزعم قوم منهم ابن جني في إعراب الحماسة بأن هذا البيت مصنوع ، وزعم قوم آخرون منهم العيني بأن «يوما» ليس بنكرة ، وادعى أنه غير منون ، وأن الألف منقلبة عن ياء المتكلم ، وأصل الكلام «قد صرت البكرة يومي أجمعا» فقلب كسرة الميم فتحة فانقلبت ياء المتكلم ألفا مثل قوله تعالى : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ) وقوله سبحانه : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) وهذا كله تمحل بعيد وغير