وجه الدليل أنه نصب «نفسا» على التمييز ، وقدّمه على العامل فيه وهو «تطيب» [٣٥٢] لأن التقدير فيه : وما كان الشأن والحديث تطيب سلمى نفسا ؛ فدلّ على جوازه.
وأما القياس فلأن هذا العامل فعل متصرف ؛ فجاز تقديم معموله عليه كسائر الأفعال المتصرفة ، ألا ترى أن الفعل لما كان متصرفا ـ نحو قولك : «ضرب زيد عمرا» ـ جاز تقدّم معموله عليه نحو «عمرا ضرب زيد» ولهذا ذهبتم إلى أنه يجوز تقديم الحال على العامل فيها إذا كان فعلا متصرفا نحو «راكبا جاء زيد».
قالوا : ولا يجوز أن يقال : «تقديم الحال على العامل فيها لا يجوز عندكم ولا تقولون به ، فكيف يجوز لكم الاستدلال بما لا يجوز عندكم ولا تقولون به؟» لأنّا نقول : كان القياس يقتضي أن يجوز تقديم الحال على العامل فيها إذا كان فعلا متصرفا ، إلا أنه لم يجز لدليل دل عليه ، وذلك لما يؤدي إليه من تقديم المضمر على المظهر على ما بيّنا في مسألة الحال ، فبقينا فيما عداه على الأصل ، وجاز لنا
______________________________________________________
فنقابله برواية الزجاجي وإسماعيل بن نصر وأبي إسحاق :
* وما كان نفسي بالفراق تطيب*
فرواية برواية ، والقياس من بعد حاكم ، وذلك أن المميز هو الفاعل في المعنى ، ألا ترى أن أصل الكلام : تصبب عرقي ، وتفقأ شحمي ، ثم نقل الفعل فصار في اللفظ لي ، فخرج الفاعل في الأصل مميزا ، فكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل فكذلك لا يجوز تقديم المميز ـ إذا كان هو الفاعل في المعنى ـ على الفعل» اه كلامه.
ومما جاء فيه تقديم التمييز ـ سوى هذا البيت الذي وجدوا فيه رواية أخرى يتمسكون بها ـ قول ربيعة بن مقروم الضبي :
رددت بمثل السيد نهد مقلص |
|
كميش إذا عطفاه ماء تحلبا |
وقول الآخر :
إذا المرء عينا قرّ بالعيش مثريا |
|
ولم يعن بالإحسان كان مذمّما |
وقول الآخر :
ضيّعت حزمي في إبعادي الأملا |
|
وما ارعويت ، وشيبا رأسي اشتعلا |
وقد اقتنع بهذه الشواهد أبو عثمان المازني وأبو العباس المبرّد والكسائي وأبو عمر الجرمي فذهبوا إلى جواز تقدم التمييز على عامله إذا كان هذا العامل فعلا متصرفا.
والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم ، وأعزّ وأكرم ، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللهم إني أحمدك أحبّ الحمد إليك ، وأطيب الحمد عندك ، وأشكرك شكرا يوالي نعمك ويكافىء مزيدك ، وأبتهل إليك أن تتقبّل عملي ، وتجعله لديك في سجل الحسنات ، إنك سميع قريب مجيب الدعاء ، يا رب العاملين ، آمين.