أن نستدل به عليكم وإن كنا لا نقول به ؛ لأنكم تقولون به ؛ فصلح أن يكون إلزاما عليكم.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه لا يجوز تقديمه على العامل فيه ، وذلك لأنه هو الفاعل في المعنى ، ألا ترى أنك إذا قلت «تصبّب زيد عرقا ، وتفقأ الكبش شحما» أن المتصبب هو العرق والمتفقىء هو الشحم ، وكذلك لو قلت «حسن زيد غلاما ، ودابة» لم يكن له حظ في الفعل من جهة المعنى ، بل الفاعل في المعنى هو الغلام والدابة ؛ فلما كان هو الفاعل في المعنى لم يجز تقديمه كما لو كان فاعلا لفظا.
قالوا : ولا يلزم على كلامنا الحال حيث يجوز تقديمها على العامل فيها نحو «راكبا جاء زيد» فإن راكبا فاعل في المعنى ومع هذا يجوز تقديمه ؛ لأنا نقول :
الفرق بينهما ظاهر ، وذلك لأنك إذا قلت «جاء زيد راكبا» فزيد هو الفاعل لفظا ومعنى ، وإذا استوفى الفعل فاعله من جهة اللفظ والمعنى صار «راكبا» بمنزلة المفعول المختص لاستيفاء الفعل فاعله من كل وجه ؛ فجاز تقديمه كالمفعول نحو «عمرا ضرب زيد» بخلاف التمييز ؛ فإنك إذا قلت «تصبّب زيد عرقا ، وتفقأ الكبش شحما ، وحسن زيد غلاما» لم يكن زيد هو الفاعل في المعنى ، بل الفاعل في المعنى هو العرق والشحم [والغلام] ، فلم يكن عرقا وشحما وغلاما بمنزلة المفعول من هذا الوجه ؛ لأن [٣٥٣] الفعل استوفى فاعله لفظا لا معنى ، فلم يجز تقديمه كما جاز تقديم الفاعل (١) ، وكذلك قولهم : «امتلأ الإناء ماء» فإنه وإن لم يكن مثل «تصبب زيد عرقا» لأنه لا يمكن أن تقول «امتلأ ماء الإناء» كما يمكن أن تقول «تصبّب عرق زيد» إلا أنه لما كان يملأ الإناء كان فاعلا على الحقيقة.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما ما استدلوا به من قول الشاعر :
أتهجر سلمى بالفراق حبيبها |
|
وما كان نفسا بالفراق تطيب [٥٠٢] |
فإن الرواية الصحيحة :
* وما كان نفسي بالفراق تطيب* [٥٠٢]
وذلك لا حجّة فيه ، ولئن سلّمنا صحة ما رويتموه فنقول : نصب «نفسا» بفعل مقدر ، كأنه قال أعني نفسا ، لا على التمييز ، ولو قدرنا ما ذكرتموه فإنما جاء في الشعر قليلا على طريق الشذوذ ؛ فلا يكون فيه حجة.
وأما قولهم : «إنه فعل متصرف فجاز تقديم معموله عليه كسائر الأفعال
__________________
(١) كذا ، وهو خطأ وصوابه «كما جاز تقديم الحال».