والتقدير : زجّ أبي مزادة القلوص ، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالقلوص ، وهو مفعول ، وليس بظرف ولا حرف خفض ، وقال الآخر :
[٢٦٦] تمرّ على ما تستمرّ ، وقد شفت |
|
غلائل عبد القيس منها صدورها |
______________________________________________________
الذي هو قوله زج والمضاف إليه الذي هو قوله أبي مزادة بمفعول المضاف الذي هو قوله القلوص ، وبيان ذلك أن زج مصدر فعل يتعدى إلى المفعول به ، فهو يعمل عمل الفعل المتعدي : يرفع فاعلا ، وينصب مفعولا ، وتجوز إضافته إلى أيهما شاء المتكلم ثم يأتي بعد ذلك بالآخر ، وقد أراد المتكلم ههنا أن يضيف هذا المصدر إلى فاعله وهو أبو مزادة ، ففعل ذلك ، ولكنه جاء بالمفعول بين المضاف والمضاف إليه ، ولو أنه اتبع المهيع لقال : زج أبي مزادة القلوص ، أو لقال : زج القلوص أبو مزادة ، فأضاف المصدر إلى فاعله ثم أتى بمفعوله أو أضاف المصدر إلى مفعوله ثم أتى بفاعله ، فلما لم يفعل أحد الوجهين مع تمكنه منه بغاية اليسر علمنا أنه لا يرى بهذا الفصل بأسا ، وأنه يعتقد جوازه من غير ضرورة ولا شذوذ ، قال ابن جني : «وفي هذا البيت عندي دليل على قوة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم ، وأنه في نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول ، ألا تراه ارتكب ههنا الضرورة ـ مع تمكنه من ترك ارتكابها ـ لا لشيء غير الرغبة في إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول» اه.
[٢٦٦] هذا البيت من الشواهد التي لا يعرف قائلها ، بل ذكر المؤلف أنه مصنوع ، وقد استشهد به رضي الدين في باب الإضافة من شرح الكافية ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٢ / ٢٥٠) وذكر أن ابن السيد أنشده في أبيات المعاني عن الأخفش ، وتمر : من المرور ، وتستمر : من الاستمرار ، والغلائل : جمع غليل وهو الضغن ، وشفي : أصله أن يقال : «شفى الله المريض يشفيه» أي أذهب عنه العلة ، وشفاء الضغن : يراد به ذهابه واقتلاعه من الصدور ، ومحل الاستشهاد بهذا البيت قوله «شفت غلائل عبد القيس منها صدورها» فقد زعم الكوفيون أن الشاعر قد فصل بين المضاف الذي هو قوله غلائل والمضاف إليه الذي هو قوله صدورها بأجنبي وهو فاعل شفت الذي هو قوله عبد القيس والجار والمجرور الذي هو قوله منها ، وأصل الكلام على هذا التخريج : وقد شفت عبد القيس منها غلائل صدورها ، وفي البيت تخريج آخر يخرجه عن الاستشهاد لهذه المسألة ، وذلك أن تجعل غلائل مقطوعا عن الإضافة وإنما ترك تنوينه لكونه على صيغة منتهى الجموع فهو ممنوع من الصرف ، وتجعل قوله «صدورها» بالجر مضافا إلى محذوف مماثل للمذكور ، وأصل الكلام على هذا : وقد شفت غلائل عبد القيس منها غلائل صدورها ، وكل ما في البيت على هذا التخريج أن الشاعر قدم المفعول على الفاعل وحذف المضاف لدلالة ما تقدم عليه ، فأما تقديم المفعول فلا ينازع أحد في جوازه ، وأما حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على جره فله نظائر منها قراءة من قرأ (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) بجر (الآخرةِ) على تقدير : والله يريد ثواب الآخرة ، ومنها قول ابن قيس الرقيات ، وهو الشاهد رقم ١٩ السابق :
رحم الله أعظما دفنوها |
|
بسجستان طلحة الطلحات |
فإن هذا البيت يخرج على تقدير : رحم الله أعظما دفنوها بسجستان أعظم طلحة الطلحات.