.................................................................................................
______________________________________________________
فلا يخفى أن معنى «في» في هذه الشواهد كلها صحيح ظاهر لا غنى عن اعتباره وأن اعتبار معنى غيره ممتنع أو متوصل إليه بتكليف لا مزيد عليه فصح ما أردناه ، والحمد لله ، وأما الإضافة بمعنى «من» فمضبوطة ، بكون المضاف بعض المضاف إليه مع صحة إطلاق اسمه عليه والإخبار به عنه كـ : ثوب خز ، وخاتم فضة ؛ فالثوب بعض الخز ، ويصح إطلاق اسمه عليه والإخبار به عنه وكذا الخاتم بالنسبة إلى الفضة.
ومن هذا النوع إضافة الأعداد إلى المعدودات والمقادير إلى المقدرات فأما نحو : يد زيد ؛ فالإضافة فيه بمعنى اللام وبمعنى «من» لامتناع الإخبار فيها بالثاني عن الأول ، وإن كان الأول بعضا للثاني.
وكذا الإضافة في نحو : يوم الخميس ؛ هي أيضا بمعنى اللام لا بمعنى «من» لكون الأول ليس بعضا للثاني ، وإن كان الإخبار فيها بالثاني عن الأول غير ممتنع ، وهذا معنى قول ابن السراج (١) رحمهالله تعالى ، وهو الصحيح لا قول ابن كيسان (٢) والسيرافي (٣) ؛ فإنهما جعلا إضافة كل بعض بمعنى «من» على الإطلاق ، وإذ قد انضبطت مواضع الإضافة التي بمعنى «في» ومواضع الإضافة التي بمعنى «من» فليعلم أن كل إضافة سواهما فهي بمعنى اللام ، وإن لم يحسن تقدير لفظها نحو : زيد عند عمرو ، وعمرو مع خالد ؛ فلا يخفى أن لفظ اللام لا يحسن تقديره هنا ، ومع ذلك نحكم بأن معناها مراد كما حكم بأن معنى «من» في التمييز مراد ، وإن لم يحسن تقدير لفظها وأن معنى «في» في الظرف مراد ، وإن لم يحسن تقدير لفظها ، وقد يحسن تقدير «من» وتقدير اللام معا ويجعل الحكم للام ؛ لأنها الأصل ؛ فلذلك اختصت بجواز إقحامها بين المضاف والمضاف إليه في نحو :
٢٨٧٠ ـ يا بؤس للحرب الّتي |
وضعت أراهط فاستراحوا (٤) |
أراد : يا بؤس الحرب ، ودخل في قولي : (ويزال ما في المضاف من تنوين) المنون لفظا كـ «غلام» والمنون تقديرا كـ «أساور» فإنك إذا قلت : أساور فضة ، ـ
__________________
(١) الأصول (١ / ٣٣٠).
(٢) الهمع (٢ / ٤٦).
(٣) انظر : السيرافي ، وشرحه على الكتاب (٢ / ١٤١ / ب).
(٤) من الكامل لسعد بن مالك في حرب البسوس بين بكر وتغلب. الحلل (١ / ٢٤٤) ، والكتاب (١ / ٣١٥).