ولم يتعرّضوا لها ؛ فرأيت أنّ الواجب يحتّم عليّ أن أفرد كتاباً أذكر فيه الطريق الذي سلكه الحسين (عليه السّلام) ، وكلّ منزل منها ، وما يخصّه جغرافياً وتاريخياً ، وها هي ذي المصادر الموفورة لدي يسهل عليّ التناول منها ما صعب على غيري من قبل. فأخذت أبحث وأكتب عن الطريق الوحيد الذي كان يسلكه عامّة الناس من مكة إلى العراق وقتئذ ، وأنظم المنازل في مقصورة حتّى استقصيتها إلى كربلاء ، ونظمت أسماء المواقع التي لها المساس التام بموضوعي ، وتخطيط كربلاء وقراها ، والمواقع الشهيرة منها ، وإن كان الشعر على الأغلب تسايره الركّة في مثل هذه المواضيع ؛ لالتزام الناظم الأسماء والأمكنة والحوادث بشعره كالشعر القصصي وغيره ، وهذا شيء يستعمله الشعراء ولا ينكرونه ، مع هذا كلّه جاءت المقصورة كما تقرأها مع شرح كلّ بيت منها.
وفي الوقت الذي كنت أرتاد المكتبات العامّة في بغداد وأنهل من نميرها ، وأهمّها المكتبة العامّة (مكتبة المتحف العراقي) أرشدني صديقي (الدكتور حسين علي محفوظ) إلى كتاب مخطوط يخصّ موضوعي ، والكتاب من مخطوطات خزانة الرضا (عليه السّلام) في خراسان ، وهي من أهمّ مكتبات الشرق. فصرت إلى خراسان ، وطلبت من مدير المكتبة الأستاذ (شاهزاده) الكتاب ، فأمر بإحضاره في الحال ، وراح يقدّم لي بنفسه ما أحتاجه في الوقت نفسه ، فأنا أشكره على تفضّله ، وكنت أرتاد المكتبة مدّة بقائي في خراسان ، ونقلت ما احتاجه منه.
والكتاب كما ذكرت مخطوط ، مجهول الإسم والمؤلف ؛ حيث بتر أوّله وآخره ، وعلى أحد صفحاته ختم باسم المغفور له (الشيخ البهائي طاب رمسه) ، وقد وقفه مع طائفة من المخطوطات النادرة. وإليك صفة الكتاب :
كتابته سقيمة جدّاً ، وورقه سميك يميل إلى الصفرة ، مختلف الأسطر ، طوله ٢٣ ، العرض ١٨ سنتمتر ، عدد أوراقه ١١٦ ورقة ، برقم ٥٧٥١ ، باسم تاريخ مكّة. هكذا عنون أخيراً ، وأعتقد أنّ اسمه غير هذا. والذي أراه أنّ مؤلّفه جعل مكّة المكرّمة نقطة وسطى راح يذكر الطرق المؤدّية إليها ، مع