إذا ، إنّ الطريقة في عرض المادّة وفي إيصال المعارف والقواعد اللغوية هي ما ينبغي على المؤلفين أن يوجّهوا أنظارهم إليه ، ويصرفوا وقتهم في تحسينه ، ويبذلوا جهودهم الجهيدة في تطبيقه عمليا ، وصولا إلى أنجع الطرائق ، وأفضل الأساليب الصالحة لتيسير عملية الايصال.
إنّ هذا الكتاب الموسوم : «المرشد إلى قواعد اللغة العربية» هو ، بأجزائه الثلاثة ، محاولة جادّة لتحقيق هذا الهدف ، وفي ظنّي أنه بالغه إن شاء الله. ومما يدعو إلى تقدير هذه المحاولة هو صدورها عن مؤلفة أمضت زمنا طويلا في رحاب اللغة العربية ، دارسة لأساليبها وقواعدها ، ومدرّسة لها في آن معا. ويبدو أن المؤلفة أفادت من كونها مدرّسة ودارسة في وقت واحد فاستطاعت أن تقتحم بثقة وحماس عوالم هذه اللغة الجميلة وأن تطلع على الكثير من معالمها وغوامضها ودقائقها ، وأن تتبين بالتجربة والممارسة مردّ الصعوبة الرئيسية التي تعيق التلاميذ عن التآلف مع لغتهم الأم تمهيدا لاتقانها والإفادة من علومها ، والتمتّع بآدابها وفنونها. هذه الصعوبة ناشئة أساسا من الطريقة التقليدية المتّبعة في تعليم اللغة العربية ، وقد ثبت أنها طريقة عقيمة لا تراعي ظروف التلميذ الموضوعية ، ولا تناسب ميوله واتجاهاته وإمكاناته النفسية والعقلية ، ولا تماشيه في تطوّره البيولوجي والثقافي. من هنا النتيجة السلبية المؤسفة المتأدية عنها. فهي تقدّم علوم العربية وقواعدها وسائر معارفها وكأنها من الألغاز الشائكة ، وتظهرها كما لو أنها في قلعة نائية حصينة ، مسالكها متشعبة وعرة ، والمرتقى إليها شاق خطر ، والوصول إليها يتطلب الكثير من الوقت والجهد والصبر. من هنا أيضا الوهم الشائع في بعض الأوساط ومفاده أن اللغة العربية لغة قديمة صعبة ، تحتاج إلى تطوير أساسي ، وتغيير جوهري في أبنيتها وقواعدها وأساليبها لتصبح صالحة للوفاء بمتطلبات العصر الحديث الأدبية والعلمية والعملية.
لسنا هنا في معرض الدفاع عن اللغة العربية فنسهب في الحديث عن خصائصها الإيجابية الفريدة ، ومنها على سبيل المثال ، طاقتها الكبرى على الاشتقاق ، وغزارة موادّها وتنوّع اساليبها ، وعذوبة تراكيبها ، وسحر بيانها وجمال ايقاعها ، وأنسها وعذوبتها ولطفها ، حينما تطرق الآذان ، وتجري على اللسان ، وقدرتها الفائقة على الإيحاء والإثارة الوجدانية العاطفية ؛ هذا إلى