بالقلم ، وطفت بالبيت ، فمن المعلوم أنك ما مسحت بكل المنديل ، ولا كتبت بكل القلم ، ولا طفت بكل البيت ، علوا وسفلا ، وظهرا وبطنا ، وإنما مسحت ببعض ذا وكتبت ببعض ذا وطفت بظاهر ذا ، واختار ابن هشام والزمخشري أن تكون الباء للإلصاق ، وما مسح بعضه ومستوعبه بالمسح كلاهما ملصق للمسح برأسه. وقد أخذ مالك وأحمد بالاحتياط فأوجبا الاستيعاب ، وأخذ الشافعي باليقين فأوجب أقل ما يقع عليه اسم المسح ، وأخذ أبو حنيفة ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ما روي أنه مسح على ناصيته ، وقدّر الناصية بربع الرأس. وإنما أطلنا في هذا البحث لطرافته ، ورياضته للذهن. والجار والمجرور متعلقان بامسحوا ، وسيأتي مزيد بحث عنه. (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) قرأ نافع وابن عامر وحفص والكسائي ويعقوب :وأرجلكم ، بالفتح ، أي : واغسلوا أرجلكم الى الكعبين ، وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق من الجانبين. وقرأها الباقون : ابن كثير وحمزة وأبو عمرو بالجر ، والظاهر أنه عطف على الرأس ، أي :وامسحوا بأرجلكم الى الكعبين. ومن هنا اختلف المسلمون في غسل الرجلين ومسحهما ، فجماهير أهل السنة على أن الواجب هو الغسل وحده ، والشيعة والإمامية أنه المسح. وقال داود بن علي والناصر للحق من الزيدية : يجب الجمع بينهما. وقد رأى ابن جرير الجمع بين القولين للاحتياط. وقد عللوا تأخيره في قراءة النصب بأن صب الماء مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه ، فعطفت على الثالث المسوح لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها. وقد أطالوا في التخريج والتأويل إطالة لا يتسع لها صدر هذا الكتاب ، وهي ناشئة عن الولع بالتحقيق والوصول الى ما هو أجدى وأسلم ، ولهذا جنح ابن جرير الى الجمع ، وفيه من حسن النية ، وسلامة الطوية