فصل رائع للزمخشري :
وفيما يلي فصل رائع للزمخشري بهذا الصدد ، نقتبس منه الفقرات التالية ، لما تضمنته من تجسيد حي ، قال : «فإن قلت : كيف قيل : «من بين أيديهم ومن خلفهم» بحرف الابتداء ، وعن أيمانهم وعن شمائلهم» بحرف المجاوزة؟ قلت : المفعول فيه عدي إليه الفعل نحو تعديته الى المفعول به ، فكما اختلفت حروف التغدية في ذاك اختلفت في هذا ، وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس ، وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط ، فلما سمعناهم يقولون : جلس عن يمينه وعلى يمينه ، وعن شماله وعلى شماله ، قلنا : معنى على يمينه أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلي من المستعلى عليه ، ومعنى عن يمينه أنه جلس متجافيا عن صاحب اليمين منحرفا عنه غير ملاصق له ، ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره ، ونحوه من المفعول به قولهم : «رميت عن القوس ، وعلى القوس ، ومن القوس» ، لأن السهم يبعد عنها ويستعليها إذا وضع على كبدها للرمي ويبتدأ الرمي منها. وكذلك قالوا : جلس بين يديه وخلفه ، بمعنى فيه ، لأنهما ظرفان للفعل ، ومن بين يديه ومن خلفه لأن الفعل يقع في بعض الجهتين ، تقول : جئته من الليل تربد يعض الليل».
(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا