جاءت «الغفور الرحيم» بعد ذكر الغفران ـ وهو لا يغفر لهم ـ فوجب أن تكون الفاصلة كما وردت ، لأن الله سبحانه ممتنع عن القهر والمعارضة ، والعزيز هو الممتنع ، ولا بد من أن يصف نفسه بعد وصفه بالعزة بالحكمة ، لأنه الحكيم الذي يضع كل شيء موضعه.
طرفة الأصمعي :
وقد مرت معنا في السابق طرفة الأصمعي ، وهي ما ذكره أنه كان يقرأ يوما فقرأ : «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم» وكان يسمعه أعرابي ، فاعترضه وغلّطه ، فراجع الأصمعي الآية ، فإذا بها «والله عزيز حكيم» ، فقال للأعرابيّ : كيف عرفت ذلك؟ فقال : يا هذا عزّ فحكم فقطع ، ولو غفر ورحم لما قطع. فدهش الأصمعي وأفحم.
وخفي هذا السر على أبي حيان :
وقد خفي سر هذا الفن على أبي حيان ـ على جلالة قدره ـ فقال في «البحر» محاولا تعليل الاعتراض ما نصه : «وقال أبو بكر ابن الأنباري : وقد طعن على القرآن من قال : إن قوله : «فإنك أنت العزيز الحكيم» لا يناسب قوله : «وإن تغفر لهم» لأن المناسب «فإنك أنت الغفور الرحيم». والجواب أنه لا يحتمل إلا ما أنزله الله تعالى ، ومتى نقل إلى ما قاله هذا الطاعن ضعف معناه ، فإن ينفرد الغفور الرحيم بالشرط الثاني ولا يكون له بالشرط الأول تعلّق.
وهو ما أنزله الله تعالى وأجمع على قراءته المسلمون». ونقول : ولو