فيه فقوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً» الآية من أبلغ ما أنزله الله في تجهيل الكافرين واستركاك عقولهم لغرابة التمثيل الذي تضمن الافراط في المبالغة مع كونها جارية على الحق خارجة مخرج الصدق وذلك حين اقتصر سبحانه على ذكر أضعف المخلوقات وأقلها سلبا لما تسلبه وتعجيز كل من دونه سبحانه كائنا من كان عن خلق مثله مع التضافر والاجتماع ثم نزل في التمثيل عن رتبة الخلق إذ هما مما يعجز عن مثلهما كل قادر غير الله عز وجل الى استنقاذ النزر التفه الذي يسلبه هذا الخلق الضعيف على ضعفه ويعجز كل قادر من المخلوقين عن استنقاذه منه فتنقل في النزول في التمثيل على ما تقتضيه البلاغة على الترتيب في هذا المكان ، لما علم سبحانه انه لا مبالغة في تعجيزهم عن الخلق والاختراع الذي لا يدعيه جبار ولا يتعاطاه من المخلوقين أحد وإن أوتي قدرة وأعطي قوة وكان فيه من التغالي بالكفر والجهل ما يدعي معه الالهية وينتحل الربوبية ، فنزل بهم الى استنقاذ ما يسلبه هذا المخلوق الضعيف على ضعفه وقوتهم ليريهم عجزهم فتستيقنه نفوسهم وإن لم تقرّ به ألسنتهم فجاء بما يقضي الظاهر أنه أيسر من الخلق وهو الحقيقة مثله في العمر فإن الظفر بنفس هذا المخلوق أيسر من الظفر بما يسلبه فاستنقاذ ما يسلبه في العجز عنه مثل خلقه ولم يسمع مثل هذا التمثيل في بابه لأحد قبل نزول الكتاب العزيز.
هذا وقد قسم علماء البيان سلامة الاختراع إلى ضربين :
أولهما : يبتدعه صاحبه من غير أن يقتدي فيه بمن سبقه وهذا الضرب يعثر عليه عند الحوادث المتجددة ، وينتبه له عند الأمور الطارئة فمن ذلك ما ورد في شعر لأبي تمام في قصيدة له يمدح بها المعتصم بالله ويذكر حرق الافشين ومطلعها :