.................................................................................................
______________________________________________________
أظهر من الشكر بغير اللسان فى أداء المقصود ؛ لخفاء الاعتقاد ، واحتمال عمل الجوارح لغير الحمد ، فهو أظهر أنواعه ؛ ولذلك روى : " ما شكر الله عبد لم يحمده" (١) أى : ما أظهر نعمته كل الإظهار وكشف عنها عبد لم يثن عليه باللفظ ، وإن اعتقد وعمل ، فالمراد بالشكر فى الحديث إظهار النعمة ، ولا يرد أن زيادة النعم مترتبة على الشكر لقوله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)(٢) ؛ لأنه ليس المراد بالشكر المقتضى لزيادة النعم فى الآية خصوص الشكر اللفظى ، أعنى الشكر بخصوص لفظه ، بل الشكر العرفى الشامل للثناء بغير لفظه ، وخدمة الأركان ، واعتقاد الجنان فى مقابلة النعمة ، واختارها على مادة المدح للأمرين الأولين ، وتنبيها على أنه تعالى فاعل مختار. واختار الجملة الفعلية المضارعية على الاسمية والماضوية ؛ لإفادتها ؛ لتجدد مضمونها على سبيل الدوام والاستمرار ؛ ليناسب الحمد المحمود عليه هنا ، وهو نعمة شرح الصدور للتخليص المذكور ، وتنوير القلوب ، المتجدد ذلك وقتا بعد وقت ، بخلاف الماضوية ؛ فإنها إنما تدل على الحدوث فقط ، والاسمية تدل على الدوام فقط ، فلا يناسبان المحمود عليه هنا ، وأيضا المضارعية تدل على الأمرين معا ، أعنى الحدوث الذى تدل عليه الماضوية ، وعلى الاستمرار الدالة عليه الاسمية ، وحينئذ فهى أشرف منهما ، كذا قيل. ولكن اعترض بأن الاستمرار من وظائف الاسمية فقط ـ كما يأتى ـ إلا أن يقال : إن الذى تدل عليه الاسمية الاستمرار مجردا عن التجدد ، والذى تدل عليه الجملة المضارعية الاستمرار مع التجدد.
ولما رأى بعض الأشياخ هذا الإشكال ، قرر أن الجملة الفعلية المضارعية تدل على الاستمرار من حيث القرائن ، وفيه أن الماضى كذلك يدل عليه بواسطة القرينة ، اللهم إلا أن يقال : قوة دلالة الماضى على الانقطاع تعارض القرينة ، فلم يعتبر فيه ذلك.
بقى شىء آخر ، وهو أن الاستمرار التجددى لمضمون الجملة هنا محال ؛ لأن
__________________
(١) أورده صاحب الدر المنثور ١ / ٣٤.
(٢) إبراهيم : ٧.