.................................................................................................
______________________________________________________
الحمد ثناء ، وهو عرض يزول بمجرد حصوله ، وأجيب بأن هذا دوام واستمرار تخييلى لا تحقيقي ، وأما جواب بعضهم بأن الدوام باعتبار الثواب ، ففيه نظر ؛ لأن الدوام المدلول للجملة متعلق بمضمونها لا بالثواب ، فهو غير منظور له.
والنون فى قوله : (نحمدك) يحتمل أن تكون للمعظّم نفسه ، وأتى بها مع أنها تدل على العظمة المنافية لمقام التأليف ، وهو الذل والانكسار ؛ إظهارا لملزومها ، وهو تعظيم الله له ، فهو من باب التحدث بالنعمة الذى هو أولى من سلوك التواضع عند الفقهاء والمحدّثين ، ويحتمل أنها للمتكلم ومعه غيره ، والمراد بالغير إخوانه الحامدون أو العلماء وأدخلهم معه فى الحمد ؛ إما لكون أمر الحمد عظيما لا يقوم به الشخص الواحد ، فاستعان بهم عليه ، ومع ذلك لم يقوموا بحقه ، وإما لتعود بركة الحمد عليهم ؛ شفقة منه عليهم ، كما تقرأ شيئا وتهدى ثوابه إلى والديك ، فإنه يحصل لك ولهم الثواب. غاية الأمر أنه نزل الشركة فى الحمد منزلة الشركة فى الثواب إقامة للسبب مقام المسبّب. ويحتمل أن المراد بالغير أجزاء ذاته ، فكأنه جعل كلّ جارحة بمنزلة شخص مستقل ادعاء ، لكن لا يخفى أن من جملة كل جزء موارد الحمد الثلاثة : اللسان ، والجنان ، والأركان ، ومن المعلوم أن إسناد الفعل لآلته مجاز ، ولفاعله حقيقة ، فيكون إسناد الحمد للمتكلم حقيقة ، وإلى الموارد الثلاثة المذكورة مجازا ، فيلزم على ذلك الجمع بين الحقيقة والمجاز ، كما يقال باعتبار ذلك : يقطع ، باعتبار إسناد القطع إلى القاطع وإلى آلته ، ولا بعد فيه على مذهب من جوز الجمع بين الحقيقة والمجاز ، وهذا ظاهر على جعل الجملة خبرية ، فإن جعلت إنشائية فى المعنى تعين أن تكون النون للعظمة ؛ لأن إنشاء الحمد بهذه الجملة لم يقع إلا من المصنف ، فلا يتأتى أن تكون لإنشاء الحمد منه ومن غيره إلا على سبيل التنزيل.
واعلم أنه إذا جعلت الجملة خبرية لفظا ومعنى ، حصل بها الحمد ضمنا فى ابتداء التأليف ؛ لأن الإخبار عن حمد يقع منه يستلزم أنّ ذلك المحمود أهل لأن يحمد ، وهذا ليس تلزم اتصافه بالجميل الذى هو حقيقة الحمد ، أو يقال : هو إخبار عن حمد واقع