يا من شرح صدورنا ...
______________________________________________________
بذلك الإخبار كما قيل فى نحو (أتكلم) : إنه إخبار عن تكلم حصل به ، وإنما عدل عن اسم الجلالة الذى ورد التعبير به فى الكتاب والسنة فى مقام الحمد إلى ضمير الخطاب ؛ لأن اللائق بحال الحامد أن يلاحظ المحمود فى حال حمده حاضرا مشاهدا ؛ ليكون حمده على وجه الإحسان المفسّر فى حديث الإحسان : " أن تعبد الله كأنك تراه" (١) ، ففى التعبير بالضمير المذكور إشارة إلى أن الحامد بلغ مقام المشاهدة للمحمود ، بحيث حمده على وجه المخاطبة والمشافهة ، وإنما آثر تأخير المفعول مع أن تقديمه يفيد الاختصاص ؛ لأن تأخيره هو الأصل ، وللإشارة إلى استغناء هذا الاختصاص عن البيان لوضوحه.
(قوله : يا من) أتى ب" يا" الموضوعة لنداء البعيد مع أنه تعالى أقرب إلينا من حبل الوريد ؛ إشارة إلى علوّ مرتبة الحضرة العلية عن الحامد الملوّث بالمكدرات البشرية من الذنوب والآثام ؛ ولذا قال بعض الأفاضل :
العبد عبد وإن تسامى |
|
والمولى مولى وإن تنزّل |
ولا يناقض هذا ما مر فى نكتة التعبير بكاف الخطاب ؛ لأن البعد الرتبى بين الحق والخلق يصاحبه قوة الإقبال والتوجه إليه تعالى ، واستعمل" من" فى الذات العلية مع أنها من المبهمات ؛ لورود الإذن فى إطلاقها عليه كتابا وسنة ، نحو : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى)(٢)(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ)(٣) ، وفى الحديث : " يا من إحسانه فوق كل إحسان ، يا من لا يعجزه شىء" ، فمنع إطلاقها (٤) عليه تعالى فيه نظر.
(قوله : شرح) الشرح فى الأصل : الفتح ، والمراد به هنا التهيئة ، وقوله : (صدورنا) جمع صدر بمعنى القلب ، من إطلاق المحل وإرادة الحالّ ، وفى الحقيقة المهيأ للعلوم إنما هو النفس بمعنى الروح لا القلب بمعنى المضغة الحالة فى الصدر ، فيراد بالقلب النفس ، والمعنى :
__________________
(١) أخرجه مسلم فى صحيحه فى كتاب الإيمان ، باب : الإيمان والإسلام (١ / ١٢٣) من حديث ابن عمر رضى الله عنهما.
(٢) الإسراء : ١.
(٣) النحل : ١٧.
(٤) الهاء فيها عائدة على" من" فى قوله : " يا من".