لتلخيص البيان فى إيضاح المعانى ، ...
______________________________________________________
يا من هيأ أرواحنا القائمة بقلوبنا التى محلها منا الصدور ، ففيه مجاز بمرتبتين من إطلاق المحل على الحال فيهما.
(وتلخيص الكلام) : تنقيحه أى : الإتيان به خالصا من الحشو والتطويل ، (والبيان) هو الكلام الفصيح المعرب عما فى الضمير ، ثم إنه لا بد من حذف فى الكلام ، والمعنى يا من هيأ أرواحنا لعلم كيفية تلخيص الكلام الفصيح وتنقيحه وتخليصه من الحشو والتطويل والقصور عن فهم مراده حينما احتجنا لذلك ؛ لأن الذى تهيأ النفس لقبوله العلوم والمعارف ، وقوله : (فى إيضاح المعاني) يحتمل أن تكون" فى" بمعنى" مع" على حد قوله تعالى : (ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ)(١) ، أى : نحمدك يا من هيأ قلوبنا للعلم بكيفية الإتيان لكلام الفصيح منقحا مصاحبا لإيضاح المعاني ، أى معانى ذلك البيان ؛ وعلى هذا فالإتيان بلفظ" في" التى بمعنى" مع" إشارة إلى أن المقصود بالذات إيضاح المعاني ، وأما الإتيان بالكلام الفصيح منقحا فهو بالتبع ؛ لأن" مع" تدخل على المتبوع ، ويحتمل أن تكون بمعنى" لام التعليل" متعلقة بتلخيص على حد قوله تعالى : (لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ)(٢) أى : لأجل ما أفضتم فيه ، أو باقية على حالها متعلقة بمحذوف صفة لتلخيص أو للبيان ، وفى الكلام حذف ، والمعنى : التلخيص الكائن أو البيان الكائن فى وقت إيضاح المعاني وحالته ، أو أنها بمعنى" عند" ، والمعنى : يا من علمنا كيفية تلخيص البيان عند قصدنا إيضاح المعانى بذلك البيان ، ولا يخفى ما فى كلام الشارح من الاحتراس ؛ إذ ربما يتوهم من تلخيص البيان عدم إيضاح معانيه ، فدفع ذلك التوهم بقوله : فى إيضاح المعانى ، على حدّ قوله (٣) :
فسقى ديارك غير مفسدها |
|
صوب الربيع وديمة تهمى |
__________________
(١) الأعراف : ٣٨.
(٢) النور : ١٤.
(٣) هذا آخر بيت من قصيدة لطرفة يمدح بها قتادة بن سلمة الحنفى ، فى : منهاج البلغاء وسراج الأدباء ص ٣١٦ ، وشعراء النصرانية فى الإسلام ص ٣١٦ ، وشرح الأعلم لديوان طرفة ص ٩٠ ـ ٩٣.