ونوّر قلوبنا بلوامع التبيان ...
______________________________________________________
ويحتمل أن يراد بالبيان والمعانى خصوص العلمين ، وحينئذ ف" فى" بمعنى" مع" ، ولا يخفى ما فى كلام الشارح من المحسّنات البديعية ، ففى التعبير بشرح الصدور حسن الافتتاح ؛ لأن شرح الصدور أصل لكل خير ، ففى افتتاح الكلام به إدخال السرور على السامع ، وفيه أيضا براعة استهلال ؛ لأنه يشير إلى أن الكلام الآتى شرح ، وقوّى البراعة بما ذكره بعد بقوله : لتلخيص البيان ، وإيضاح المعاني ، وفى ذكر التلخيص ، والإيضاح ، والبيان ، ودلائل الإعجاز ، وأسرار البلاغة ـ التى هى أسماء كتب فى هذا الفن ، الأولان للمصنف ، والثالث للطيبي ، والأخيران للشيخ عبد القاهر ـ التوجيه ، وهو أن يوجه الكلام إلى أسماء متلائمة ولو اصطلاحا ، كما فى قول علاء الدين الكندى :
من أمّ بابك لم تبرح جوارحه |
|
تروى أحاديث ما أوليت من منن |
فالعين عن قرّة والكفّ عن صلة |
|
والقلب عن جابر والسّمع عن حسن |
(قوله : ونورّ قلوبنا) التنوير : إدخال النور فى القلب ، والمراد بالقلوب النفوس ، واللوامع : جمع لامعة ، وهى الذات المضيئة كالشمس والقمر والنجوم ، والتبيان هو الكلام الفصيح المقترن بدليل أو برهان ، فهو أخص من البيان ، وإضافة اللوامع للتبيان إما من قبيل إضافة المشبه به للمشبه أى : بالتبيان الذى هو كالأنجم اللوامع فى الاهتداء بكل ، وعلى هذا ف (أل) فى التبيان للاستغراق ، فيكون جمعا فى المعنى ، فالملاءمة بين المشّبه والمشبه به فى الجمعية حاصلة ، وحينئذ فلا يقال : إنّ فيه تشبيه المفرد بالجمع وهو ممنوع ، أو يقال : إنه قصد المبالغة فى تشبيهه بجميع اللوامع حيث جعله مقاوما لجميعها ، وقولهم بالمنع محله ما لم يقصد المبالغة ، فهما جوابان : الأول : بالمنع ، والثاني : بالتسليم. ويحتمل أن تكون الإضافة على حقيقتها ، والمراد باللوامع المعانى المفهومة بالتبيان على طريق الاستعارة التصريحية ؛ وعلى هذا فهو من إضافة المدلول للدالّ ، أو من إضافة الموصوف لصفته ، أى : اللوامع المبيّنة ، من إطلاق المصدر على اسم المفعول ؛ لأن التّبيان فى الأصل مصدر (بيّن) ، وهو بكسر التاء على غير قياس ، ونظيره فى الكسر شذوذا : التّلقاء ، وغيرهما بالفتح على القياس كالتّذكار والتّكرار ، وإنما عبر الشارح بالبيان فى جانب شرح