ووشحته بلطائف فقر سبكتها يد الأفكار ، ...
______________________________________________________
بقوم جادوا بمبخول به ، بجامع أن كلّا ملتبس بإيجاد ما يستحسن على طريق الاستعارة بالكناية ، وإثبات السماحة تخييل ، و" أل" في الأنظار عوض عن المضاف إليه أى : أنظارى ، والنظر هو الفكر المؤدى لعلم أو ظن ، والفكر حركة النفس فى المعقولات.
(قوله : ووشحته) مأخوذ من التوشيح ، وهو إلباس الوشاح ، والوشاح شيء يتخذ من الجلد يرصع بالجواهر تلبسه المرأة ما بين عاتقها وكشحها ، ويلزم من ذلك التوشيح التزيين فأطلق التوشيح هنا ، وأريد لازمه أى وزينته ، ويحتمل أنه شبه الشرح بعروس على طريق الاستعارة المكنية ، والتوشيح تخييل.
(قوله : بلطائف فقر) إما بالإضافة من إضافة الصفة للموصوف فلطائف مجرور بالكسرة ، وإما بترك الإضافة فلطائف مجرور بالفتحة وفقر بدل أو عطف بيان ، والفقر جمع فقرة بكسر الفاء ، وهى فى الأصل أحد فقار الظهر أى : عظمه المتصل المسمّى بسلسلته ، ثم استعير لحلى يصاغ على هيئته يسمّى بالحياصة (١) ، ثم استعير هنا للكلام المسجّع المقفى على سبيل الاستعارة المصرّحة ، فهو مجاز مبنى على مجاز ، ويصح أن يراد بالفقر هنا الحلى المسمّى بذلك ، فعلى الإضافة يكون من إضافة المشبه إلى المشبه به وإن كانت قليلة بخلاف عكسها ، والمعنى : لطائف كالفقر ، وعلى ترك الإضافة تكون فقر صفة للطائف على تقدير حرف التشبيه أى : لطائف كالفقر ، وعلى الوجهين فالمراد باللطائف : الكلام المسجع المقفى. فظهر لك مما قلناه أن هذه السجعة تضمنت مدح الشرح باعتبار ما اشتمل عليه من العبارات الرائقة والجمل الفائقة ، والسجعة التى قبل هذه تضمنت مدحه باشتماله على المعانى اللطيفة الحسنة ، فمفاد كل منهما غير مفاد الأخرى.
(قوله : سبكتها يد الأفكار) أى صاغتها وصفّتها ، وإضافة" يد" ل" الأفكار" من إضافة المشبه به للمشبه أى الأفكار الشبيهة بالأيدى ، بجامع ترتب المنفعة على كلّ ، (وقوله :
__________________
(١) الحياصة سير في الحزام ، والحياصة سير طويل يشد به حزام الدابة ، وانظر : لسان العرب (٢ / ١٠٧٠) (مادة حيص).