وتقاعدت عزائمهم عن اكتشاف (١) خبيئات أسراره ،
______________________________________________________
الطلوع أى الإدراك ، فضلا عن طلوعهم وإدراكهم بالفعل ، والإضافة فى" طوالع أنواره" من إضافة الصفة للموصوف ، أى : أنواره الطالعة بمعنى الظاهرة ، والمراد بأنوار الشرح معانيه ، استعار لها لفظ الأنوار استعارة مصرحة ، والطوالع ترشيح ، ويصح أن تكون الطوالع استعارة لمعانى الشرح ، والأنوار استعارة لألفاظه ، أى : عن إدراك معانى ألفاظه ؛ وحينئذ فالإضافة من إضافة المدلول للدال ، ثم إن كون معانيه طالعة وظاهرة بالنسبة لما عند الشارح أو بالنسبة لما فى الواقع ، فلا ينافى أنها بالنسبة لهم فى غاية الدقة فتحتاج إلى استطلاع.
(قوله : وتقاعدت) يقال فيه ما قيل فى" تقاصرت" ، ويقال فى السين والتاء فى" استكشاف" ما مر فيهما فى" استطلاع" ، والكشف هو الإظهار.
(قوله : خبيئات أسراره) الإضافة فيه من إضافة الصفة للموصوف ، أى أسراره المخبّآت ، أى التى شأنها أن تخبأ لعاقبة الدهر ؛ لعظمها ولشرفها ، والأسرار جمع سر وهو ضد الجهر ، والمراد بها هنا النكات ، فشبه نكات المطول ومعانيه الشديدة الصعوبة بالأسرار ، والجامع الاحتياج لزيادة الاهتمام فى كل ، واستعيرت الأسرار للنكات المذكورة استعارة تصريحية. ويحتمل أن تكون الإضافة حقيقية بأن أريد بالأسرار مطلق الأسرار ، وأراد بالخبيئات أشرف الأسرار أى : أدقها ، والمعنى : عن إظهار أدق الأسرار أى أدق الدقائق. ثم إن هذه السجعة متعلقة بالمعانى الشديدة الصعوبة والدقة ، وما قبلها بالدقة الصعبة فقط ، فلا يقال : إن هذه عين ما قبلها ، لكن قد يقال : إن الأولى الاقتصار على السجعة الأولى وحذف الثانية ؛ لأنه إذا تقاصرت هممهم وعجزت عن المعانى الصعبة فقصورها عن الشديدة الصعوبة بالطريق الأولى ، إلا أن يقال : أتى بهذه الثانية ؛ دفعا لما يتوهم أن هممهم وإن تقاصرت عن درك المعانى الصعبة لم تتقاصر عن إدراك شديدة الصعوبة ؛ لكون هممهم عليّة. ثم لا يخفى حسن التعبير هنا ب" تقاعدت" ، وفيما مر ب" تقاصرت" ؛ وذلك لأنّ طوالع الأنوار شأنها العلو فيناسبها التعبير بالتقاصر ، وشأن خبيئات الأسرار الانخفاض فيناسبها التعبير بالتقاعد.
__________________
(*) كذا في (المطبوع) ، وفي شرح الدسوقي ـ كما يأتي ـ : (استكشاف) ، وعليه جرى كلامه في الشرح ، فلعل ذلك في نسخة خاصة به.