لما شاهدوا من أن المحصّلين قد تقاصرت هممهم عن استطلاع طوالع أنواره ،
______________________________________________________
ووصف السائلين بالكثرة والفضل والذكاء من تأكيد موجب الامتثال ؛ حيث كان السؤال ممن هو بهذا الوصف ، ووصولهم للمسئول ، ولم يكن بالمراسلة.
(قوله : لما شاهدوا) متعلّق ب" سألونى" : لما علموا علما فاشيّا كالمشاهدة ، ثم يحتمل أن يقرأ بالتخفيف تعليلا ل" سألوني" ، وما موصول اسمى أو نكرة موصوفة فالعائد محذوف ، و" من" بيانية أو مصدرية فلا حذف ، و" من" زائدة على مذهب من يجوّز زيادتها فى الإثبات ، ويحتمل أن يقرأ بالتشديد فتكون ظرفا لسألوني ، و" من" و" أن" زائدتان ، وإنما كان التقاصر والتقاعد عما ذكر ، والتقليب والمد المذكوران ، علة لطلب الاختصار ؛ لأن فى اختصاره نفع المتقاصرين بإعطائهم مقدورهم ، وقمع المنتحلين باستغناء الناس بذلك المختصر عن مصنوعهم ، فيتركون الانتهاب والمسخ ؛ لبطلان مرجوّهم من ملاحظة الناس لهم واعتنائهم بما ينتهبونه.
(قوله : المحصلين) أى : المريدين للتحصيل ، أو الذين شأنهم تحصيل هذا الكتاب ، أو المحصلين بالفعل لغير هذا الكتاب من فن المعاني ، وليس المراد المحصلين لهذا الكتاب ؛ فاندفع ما يقال : إن وصفهم بالتحصيل وتقاصر الهمم فيه تناف. (قوله : قد تقاصرت ...
إلخ) ما تفيد صيغة التفاعل من التعنى والتكلف غير مراد ، أى فليس المراد أن هممهم توجهت ثم أخذت فى الرجوع والكسل ، وإنما المراد قصرت من أول الأمر ، ومثله يقال فى قوله الآتى : و" تقاعدت" ، وقرر شيخنا العدوى أن" تفاعل" يأتى للمبالغة كما هنا ، وحينئذ فالمعنى : قصرت قصورا تامّا ؛ لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى ، والهمم : جمع همّة ، وهى والعزيمة شيء واحد ، وهى الإرادة على وجه التصميم ، وحينئذ ففى كلامه تفنن حيث عبر أولا بالهمم ، وثانيا بالعزائم ، وإسناد القصور ـ الذى هو العجز ـ إلى الهمم ، والقعود إلى العزائم ، مجاز عقلى ، إذ المتصف بهما حقيقة الأشخاص.
(قوله : عن استطلاع طوالع أنواره) السين والتاء إما للطلب أى : عن طلب طلوع ، أو زائدتان لتحسين اللفظ ، والمعنى : عن طلوع ، أى إدراك وفهم ، على طريق الاستعارة المصرحة ، وجعلهما للطلب أبلغ من جعلهما زائدتين ؛ لإفادته أنهم عجزوا عن طلب